-A +A
زين العابدين الضبيبي
ما الذي يحدثُ في هذي المدينةْ؟

لمْ أرَ الأنجمَ كاليومِ حزينةْ!


إنني أسمعُ أصواتَ فناءٍ

نزقٍ يمتصُّ أمواج الحياةْ

وأحسُّ الآنَ في روحي

ارتجافَ الوردِ

في كلِّ البساتينِ القريبةْ

البساتينِ التي ظلّتْ تُربّي شجرَ الحبِ

وتهفو للمواعيدِ وأنفاسِ

المحبينَ وتجديفِ الأصابعْ

إنها تبدو

وقدْ كتَّفها الجدبُ كئيبةْ.

من تُرى يعبثُ في أيامها؟!

فالأغاني تتلاشى وتموتْ

وهديرُ الخوفِ

ما ترشحُ جدرانُ البيوتْ

وأنا أصرخُ يا ليلُ أجِبني

إنني أبحثُ في صمتكَ عني..

عن أحاديثِ الصبايا

عن كلامٍ

نَسِيتهُ امرأةٌ وَلْهَى وحيداً في المرايا

عن دراويشَ حيارى

سكروا من خمرةِ العشقِ

فخالوا قبساً

تجلّى في الزوايا.

أينَ أنتَ الآنَ

يا ليلي الذي كان، أجِبني

سعلَ الليلُ دموعاً وضحايا.

ما الذي يحدثُ في هذي المدينةْ؟

ذبُلتْ فيها القصائدْ

وعيونُ الناسِ للهمِّ وَسائدْ

وبُصاقُ الرّيحِ

ما تنشرهُ كلُّ الجرائدْ

وحشودٌ من كلابٍ بربرياتٍ يصادرنَ الموائدْ

وجياعٌ شبعوا

من حنطةِ الوعظِ

وتسمينِ المساجدْ

إنها إن لم تُشابِه

وجعَ الأرضِ مكائدْ

لستُ أدري أكوابيسٌ برأسي

أم أنا في الصحو شاردْ؟

كلُّ شيءٍ يا عذابي الآن واردْ.

ها أنا أبحثُ في هذي المدينةْ

عن ثآليلِ الفرحْ

واحتمالاتِ السكينةْ

عن بقايا لبخورٍ

عالقٍ في الأفقِ

من ذكرى لياليها الأصيلةْ

عن حقولٍ

أزهرتْ فيها الأماني المستحيلةْ

عن وجوهٍ

لم تَرُعها في السراديبِ سياطُ الكهنةْ

عن قلوبٍ لمْ تزلْ تُشعلُ بالرقصِ

مصابيحَ الشوارعْ

عن يدٍ تمتدُّ من ناصيةِ الحلمِ

لكي تلقي قميصَ الفجرِ

في وجهِ صباها

عن يدٍ تُرجعُ من أعمارنا

ما اختلسَ الخوفُ

ومن عمرِ المدينةْ

عن يدٍ تكسرُ أصنامَ أساها

في غدٍ صافٍ ورائعْ.