-A +A
وليد الكاملي wamly2016@
بعث لي صديق مقرب من أبناء العاصمة الرياض بمقطع فيديو لقصيدة من قصائد الشاعر الجميل حسن أبو علة (شاعر من أبناء منطقة جازان)، معقباً على ذلك بعتاب محب يتعلق بتقصيرنا نحن أبناء المنطقة مع مبدعينا كما أسماهم، وأظنه يقصد بالتقصير ذلك الذي يتعلق بجانب الترويج لأسماء الشعراء التي تزخر بها المنطقة.

المشكلة؛ أن صديقي أوصل عتابه في هذا الجانب للشخص الخطأ -أقصدني أنا- لأنني في واقع الأمر لا أكترث كثيراً بهذا الصيت الذي يتردد حول كثرة أعداد الشعراء في منطقة جازان وما يقابله من تقصير يراه صديقي وغيره الكثير من أبناء الوطن لا لشيء ولكن ليقيني بأن الشعر في جازان ليس «جاهة» يمكن لصاحبه أن يتبوأ مكانة اجتماعية بين أقرانه أو حتى قبيلته أو أسرته، بقدر ما هو أسلوب حياة تماهى مع عشق اللغة أو كما يقول الشاعر إبراهيم زولي، في كتابه (مخرج للطوارئ): «إنّ الشعر في جازان تحول إلى ظاهرة حياتية تمتد إلى جذور بعيدة أفقياً وعمودياً. حالة وجودية وعلامة فارقة لهذه الجهة من الوطن».


ولأننا هنا نتحدث عن الشعر الفصيح الذي يوازيه في المقابل الشعر الشعبي أو النبطي الرائج في كافة أرجاء الوطن، فإننا أمام باب واسع يصعب إغلاقه من خلال مقالة بسيطة كهذه، لأن الولوج في هكذا باب سيجرنا لأحاديث مكررة وطويلة تتعلق بنخبوية الفصيح وشعبية النبطي من جانب وسيكلوجية الجماهير في تعاطيها مع مثل هذه الفئات الأدبية من جانب آخر.

لذلك كله فإنني سأعود لما ابتدعته في البدء حين ذكرت عدم اكتراثي لأعداد الشعراء في جازان أو حتى ما إذا كانوا قد وجدوا الاهتمام أو التقصير، لأنني لمست أن الأمر يتحول رويداً رويداً إلى أزمة ثقافية داخلية، أي داخل أرجاء المجتمع الإقليمي، والذي أعتقد أن ما من أحد من أبنائه فتح مع صديق له أو مهتم بالشعر حواراً عن ظاهرة الشعر في «جازان» إلا وانتهى به الحال إلى هذه القناعة المجانية التي تقول بتقصير المجتمع تجاه هؤلاء الشعراء، الأمر الذي كبر مع الوقت ككرة ثلج تتدحرج وتحول إلى شعور بالمظلومية طالت كل الأصعدة، بل تحول الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث سقطت روح الفردانية وبزغت بين دهاليز المجتمع روح الشمولية التي أضحت تتحكم في «صندقة» التفكير الذي اختزل منطقة واسعة وشاسعة في الشعر والجبل والسهل والتنافسية التافهة التي تقف عند أسئلة مثل: كم شاعراً؟ وكم مذيعاً؟ وكم لاعباً ينتمي للمنطقة؟، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى إنشاء البعض لحسابات في منصات التواصل تسمي أبناء المنطقة الذين يعيشون في مناطق أخرى من هذا الوطن بالسفراء كما لو أنهم ينتمون لدولة أخرى!