أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/1825.jpg?v=1763714378&w=220&q=100&f=webp

د. عبدالرحمن الصقير

«الثلاثية الذهبية» وصفة ناجحة لتنمية البحث والابتكار

تحدثت في مقال سابق عن اقتصاد المعرفة وأهميته، وتنافس الدول المتقدمة في مجال التطوير والابتكار، والمردود الاقتصادي المغري للإنفاق على هذا المجال، وهو ما عزز مكانة تلك الدول وحضورها في ميادين الاقتصاد والتنمية، والتحكم في التقنية واحتكارها في كثير من الأحيان، كما أن دور الابتكار في صناعة اقتصاد مزدهر يحظى باهتمام متزايد على مستوى الأبحاث والدراسات المعمقة، كما أسهمت أفكار وتجارب العلماء والباحثين في مجالات عديدة في تحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتطوير إنتاج الأغذية والمحاصيل الزراعية خلال العقود الماضية، ما ساعد في إنقاذ مئات الملايين من المجاعة، وتوفير أسباب الرفاهية.

وبعد توحيد المملكة واستقرارها انطلقت خطط تنموية طموحة ركزت على العنصر البشري، واستثمرت فيه تعليماً وتدريباً وتأهيلاً وابتعاثاً لأفضل المؤسسات التعليمية في العالم، ما حقق قفزات نوعية في العديد من المجالات وفي زمن قياسي. ازدهرت الجامعات معززة بالعقول الوطنية والأجنبية، وتحركت عجلة الأبحاث والدراسات والابتكارات مستفيدة من الدعم السخي الذي وفرته الدولة عبر برامج المنح البحثية التي أطلقتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية خلال عقود عدة، حتى تغيرت استراتيجية ومهام المدينة، وتوقفت عن دعم واحتضان الدراسات والأبحاث العلمية التي تقدمها الجامعات مما أثر على حركة البحث العلمي فيها بشدة، وتسبب في ركود بحثي كبير.

ومن نافلة القول إن وظائف الجامعات بشكل عام تتركز في ثلاثة مجالات رئيسية؛ التدريس، وخدمة المجتمع، والبحث العلمي، وتعتمد جودة الوظيفتين الأوليين على حيوية وكفاءة البحث العلمي، الذي يتعدى تأثيره – في الوضع المثالي – الجامعات ليسهم في التطوير، والتنمية الوطنية، وتوفير الحلول الملائمة للتحديات التقنية والصناعية والزراعية والبيئية، وتتعزز من خلاله ركائز اقتصاد المعرفة، وفي المحصلة، ينقل الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة علمياً وتقنياً.

وبالرغم من إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار المنوط بها دفع عجلة البحث العلمي في المملكة، إلا أن تأثيرها لا يزال محدوداً؛ نظراً لحداثة نشأتها، ومن غير المؤكد أنها ستتمكن من تلبية طموح آلاف الباحثين المتعطشين للدعم والتمكين في الجامعات السعودية، وبالتالي لا غنى عن إسهام ومشاركة القطاع الخاص في دعم البحث العلمي والابتكار، وهو سمة من سمات الدول المتقدمة علمياً، حيث يبلغ تمويل القطاع الخاص في بعض تلك الدول ما يزيد على 90% من المبالغ المنفقة على البحث والتطوير، ويمكن الاستفادة من التجربة الهولندية الملهمة في الابتكار الزراعي؛ فقد شجعت هولندا التعاون بين المزارعين، والباحثين، والشركات الخاصة. هذا التعاون، المعروف باسم «الثلاثية الذهبية»: (الحكومة، الأكاديميون، القطاع الخاص) عزز تبادل المعرفة وتطبيق الحلول المبتكرة.

وفي المملكة، لا يزال القطاع الخاص بعيداً عن رعاية البحث والابتكار والتطوير، والإفادة والاستفادة من الإمكانات البحثية في الجامعات السعودية، ما يفوت فرصة ثمين في خلق شراكات ناجحة تعود على الطرفين بالمنفعة، وتحقق الازدهار الاقتصادي للوطن. ويمكن تحديد مواطن الخلل في هذه القطيعة بعوامل تعود لسياسة بعض الجامعات التي تعوزها القناعة بأهمية التعاون والشراكة، كما تحيط الضبابية بهويتها التي تتحدد من خلالها شراكاتها، وأولوياتها البحثية، والأخيرة ترتبط عادة بالموقع الجغرافي، والميز النسبية، والموارد الطبيعية، والتخصصات الرئيسية والتميز الأكاديمي. ومن العجيب ألا تولي بعض الجامعات هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها (إحدى الجامعات في منطقة زراعية مهمة على المستوى الوطني فوتت فرصة التميز في هذا المجال الحيوي، ويممت وجهها شطر تقنيات الهندسة والفضاء!)، وقد قدر لي قبل سنوات زيارة إحدى الجامعات الهولندية المرموقة، وشدني وضوح الرؤية والهوية لدى الجامعة التي حددت أربع أولويات بحثية نابعة من حاجة المجتمع، ومزايا المنطقة، ومواردها الطبيعية.

كما أن هناك أسباباً خاصة بالقطاع الخاص تحول دون إسهامه في دعم جهود البحث والابتكار، منها عدم نضج كثير من مكونات هذا القطاع ما يمنعها من إدراك المزايا التنموية، والأهمية الاستراتيجية للتعاون مع الجامعات الوطنية، وتفضيل الحلول المستوردة السريعة والفعالة (على المدى القصير فقط).

إن من متطلبات نجاح قطاع البحث والابتكار في المملكة، وجود رؤية واستراتيجية واضحة للجامعات، تمكنها من تحقيق الشراكات المفيدة داخلياً وخارجياً. ومن المتوقع والمأمول من هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار أن تعيد الزخم لهذا القطاع الحيوي، وتضبط إيقاعه بما يمنع الازدواجية، ويقلل الهدر المالي الناتج عن اشتغال بعض الجهات غير البحثية في دراسات وأبحاث غير مجدية، كما أن إقامة ملتقى وطني سنوي تنظمه الهيئة، وتشارك فيه الجامعات، ويدعى إليه القطاع الخاص، والجهات ذات العلاقة من شأنه أن يردم الهوة، ويعزز الشراكات المثمرة بين مؤسسات البحث العلمي والقطاع الخاص، ويحقق المستهدفات الوطنية الطموحة.

00:04 | 21-11-2025

السعودية الخضراء.. مشروع أكبر من الأرقام   

قبل أن يطلق ولي العهد مشروع السعودية الخضراء الطموح الذي يستهدف زراعة 10 مليارات شجرة، لم يكن أكثر المتفائلين والمتحمسين للتشجير يحلم بـ 1% من الرقم المعلن، بل إن الرقم المتداول في أدبيات محبي التشجير، والناشطين في مجال البيئة قبل إعلان المبادرة، لا يتجاوز 10 ملايين شجرة في مختلف مناطق المملكة.

ورغم ضخامة الرقم المستهدف للمبادرة، إلا أنها أبعد وأكبر وأعمق من الأرقام والحسابات؛ فبالإضافة إلى المكوّنات الرئيسية للمبادرة التي تشتمل على ثورة حقيقة في الغطاء النباتي، فهي تعنى بحماية وتأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي التي تدهورت في العقود الماضية لأسباب متنوعة، كما تشمل رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة المملكة، والإسهام في أكثر من 4% من الجهود العالمية في خفض الانبعاثات الكربونية وذلك من خلال مشاريع كبيرة للطاقة المتجدّدة، إضافة إلى التشريعات والأنظمة التي تضبط مصادر التلوث، ولم تغفل المبادرة الإدارة الذكية للنفايات لكونها من القضايا البيئية الملحة.

إن ما يميّز مبادرة السعودية الخضراء بمستهدفاتها الطموحة، ومشاريعها المتنوعة، أنها جاءت وفق استراتيجية واضحة، انطلقت من رؤية المملكة 2030 التي تشكّل القاعدة الأساسية للنهضة البيئية التي تشهدها المملكة، كما يميّز هذه المبادرة العملاقة أنها تتعامل بذكاء مع أهم عناصر ومكونات البيئة في الوقت نفسه، فالتشجير وتعزيز الغطاء النباتي يسهم في تقليل آثار الاحتباس الحراري، ويعزز التنوع الأحيائي ويحمي التربة ويحسن خواصها، ويخفض الملوثات، ويساعد في تثبيت الكربون، كما أن اتساع نطاق الحماية للمواقع البرية والبحرية يسهم هو الآخر في ازدهار الحياة الفطرية، ويصون التربة والغطاء النباتي الطبيعي ومصادر المياه، ويعمل التوجه للطاقة المتجددة على خفض انبعاثات الكربون والإسهام في الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي، ومن المتوقع أن تحقق هذه الحزمة من المشاريع والمبادرات البيئية العملاقة مخرجات في غاية الأهمية في تعزيز جودة الحياة، وتقليل حدة التطرف المناخي، وتحسين الصحة، وصيانة الموارد الطبيعية، وتحقيق مستهدفات التحول للاقتصاد الدائري.

ولكي تحقق مبادرة السعودية الخضراء أهدافها الطموحة خصوصاً ما يتعلق منها بزراعة 10 مليارات شجرة في بيئات ومناطق المملكة المتنوعة، لا غنى عن المساهمة الفاعلة من القطاع الخاص في جهود التشجير، كما أن الجهات الحكومية وشبه الحكومية كافة مطالبة بالانخراط في أعمال التشجير بكفاءة وفاعلية، ومن المحزن أن نرى الجامعات على سبيل المثال - مع ما تمثله من أهمية في صناعة الوعي وتعزيز الثقافة – شبه غائبة عن جهود التشجير الفعلية، وتكتفي بمشاركات شكلية في بعض المناسبات البيئية من باب رفع العتب، هذا بالرغم من المساحات الكبيرة التي تشغلها الجامعات، ووجود مصادر للمياه المعالجة، والحاجة للظل والتجميل في مرافقها، ووجود الخبراء والمختصين، وإمكانية توجيه أنشطة التطوع الطلابية لزراعة الأشجار.

ونظراً لأهمية المشروع، وكونه أحد أكبر مشاريع التشجير في العالم، إن لم يكن الأكبر حجماً وتأثيراً، والمخرجات العظيمة المتوقعة منه، والإنفاق الحكومي السخي لتنفيذه وفق أفضل المعايير، فإن ذلك يتطلب منظومة عمل متكاملة، وإدارة ذكية للمياه والتربة والتنوع الأحيائي، واستدامة اقتصادية، ومشاركة فاعلة من المجتمع المحلي والقطاع الخاص، ودرجة عالية من الشفافية، والحوكمة، والرقابة، وكفاءة التنفيذ والتشغيل، والمتابعة والرصد والتقييم المستمر.

إن الأرقام والاحصائيات التي تعلن عما تم إنجازه في مشاريع التشجير ضمن المبادرة، تعد عنصراً أساسياً من عناصر مؤشرات الأداء، وتقييم قدرة الإدارة التنفيذية على تحقيق مستهدفات استراتيجية المبادرة، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الشفافية والدقة وعدم المبالغة، ولا شك أن المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة (أداء)، سيكون له دور كبير في ضبط بوصلة مؤشرات الأداء في المبادرة، ومدى كفاءة الإدارة التنفيذية في تحقيق أهداف التشجير الطموحة، كما أن مشاركة جهات مستقلة كالجمعيات البيئية في الرصد والمتابعة والتقييم والتحكيم سيكون له أكبر الأثر في تحقيق مستهدفات هذه المبادرة الوطنية العملاقة التي نفتخر ونفاخر بها.

00:06 | 27-10-2025

نوبل... واقتصاد المعرفة..!

جاء فوز الدكتور عمر ياغي بجائزة نوبل للكيمياء ليؤكد أهمية الاستثمار في العلم والمعرفة، ونجاح توجه المملكة لاستقطاب وتجنيس الكفاءات العلمية المتميّزة بما يسهم في تحقيق المستهدفات الوطنية، ويعزز مكانة المملكة في مجال العلوم، والابتكارات، واقتصاد المعرفة الذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز اقتصاديات الدول المتقدمة، فما هو اقتصاد المعرفة؟
يعرف اقتصاد المعرفة بأنه اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على المعرفة والمعلومات والابتكار كمصادر رئيسية للإنتاج والنمو الاقتصادي، بدلاً من الموارد التقليدية مثل المواد الخام أو القوة العاملة فقط. في اقتصاد المعرفة، فإن الأبحاث، والتعليم، والمهارات، والتكنولوجيا تُعتَبر أصلًا اقتصاديًا أساسيًا، كما كانت الأرض أو المال في العصور السابقة. بلدان مثل كوريا وفنلندا وسنغافورة أصبحت أكثر قدرة على المنافسة والنمو، نتيجة استثمارها في التعليم، والبحث العلمي، وتكنولوجيا المعلومات، وبالمثل، فإن شركات مثل Google، Microsoft، Apple لا تعتمد على النفط أو الزراعة، بل على الأفكار، والبرمجيات، والخدمات الرقمية حقّقت نموًا مذهلًا، ولا غرابة أن أغلب الدول المتقدمة تنفق بسخاء على البحث والتطوير والابتكار، حيث قدر في تلك الدول أن كل دولار ينفق على البحث والتطوير يعود بـ 5-7 دولارات، كما نال الباحثون: جويل موكير، وفيليب أغيون، وبيتر هاويت جائزة نوبل 2025 في العلوم الاقتصادية تقديراً لأبحاثهم التي ركزت على دور الابتكار في صناعة نمو اقتصادي مستدام.
من أهم سمات اقتصاد المعرفة، الاعتماد على التقنية؛ بالاستخدام المكثف لتقنية المعلومات والاتصالات (ICT)، والأتمتة، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، ولا غنى في الاقتصاد القائم على المعرفة عن الابتكار المستمر، والاستثمار الفعّال في البحث والتطوير والابتكار (R&D)، كما تعد المعلومات أصلًا اقتصاديًا تشكّل فيه القدرة على جمع وتحليل المعلومات ميزة تنافسية، كما أن رأس المال البشري ذا التدريب والمهارات العالية يعد من الركائز الأساسية لاقتصاد المعرفة، ولهذا تعتمد الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا كثيرًا على العقول المهاجرة، وتغري المبتعثين المتميّزين من دول لعالم الثالث للبقاء والانخراط في آلة البحث العلمي والتطوير الضخمة، ذات العوائد الاقتصادية الكبيرة. ولقد كانت المملكة منذ تأسيسها سبّاقة إلى الاستثمار في رأس المال البشري؛ فمنذ رفرف الاستقرار على ربوع هذه المملكة المترامية الأطراف، بدأت جهود تنمية وتعزيز رأس المال البشري بتوطين البادية، والتصدي للأمية بتوفير التعليم المجاني، وإنشاء المعاهد المتخصصة، والجامعات، ثم إطلاق برامج الابتعاث التي أحدثت نقلة نوعية في مسيرة التنمية في المملكة، وحقّقت قفزات سريعة في ميادين التطوير والازدهار العلمي.
وفي جامعات المملكة التي تعد الحاضن الطبيعي للبحث والابتكار والتطوير، كانت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية هي الرافد الرئيس للباحثين، والداعم الأول للأبحاث والدراسات عبر برامج المنح السخية المتنوعة، من خلال أولويات بحثية تلامس الاحتياجات الوطنية. وقد تأثرت حركة البحث العلمي في الجامعات السعودية بشدة بعد التغيير الذي طرأ على إستراتيجية ومهام المدينة، وعانت الجامعات من ركود بحثي كبير حولها لما يشبه الثانويات المطورة مع بعض الاستثناءات. ورغم الحراك النسبي للبحث العلمي (خصوصاً في المجال الزراعي) في بعض الجهات غير البحثية، إلا أن ذلك كان مشوباً بالعشوائية، وتدني الجودة والكفاءة، وضعف المخرجات. ثم جاء إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتعيد الأمل للباحثين والعلماء، وتنعش المعامل والمختبرات، وتبعث الحياة في الجامعات، وتستهدف منع الازدواجية والاجتهادات في ميدان البحث والابتكار.
ولكي يحقق البحث العلمي في المملكة النتائج المرجوة في دعم التنمية والازدهار، وتعزيز اقتصاد المعرفة، لابد من الاهتمام بالتعليم النوعي، والاستفادة من المزايا التنافسية للجامعات السعودية، والتنوع الجغرافي، وردم الهوة الكبيرة بين القطاع الخاص والجامعات، فباستثناء إسهامات محدودة من بعض الشركات الكبرى في المملكة، لا يزال القطاع الخاص بعيداً عن الإسهام في ازدهار الابتكار والتطوير، والإفادة والاستفادة من الإمكانات البحثية في الجامعات السعودية، وهذا موضوع مقلق ويتطلب دراسة مستفيضة. إن إسهام القطاع الخاص في دعم البحث والابتكار سمة من سمات الدول المتقدمة علمياً، حيث يبلغ تمويل القطاع الخاص للبحث والتطوير في دول عديدة ما يزيد على 90%، فأين الخلل في القطيعة المرة بين القطاع الخاص في المملكة، ومحاضن البحث، والتطوير، والابتكار؟
00:08 | 17-10-2025

نباتاتنا البرية... ثروة لم تستثمر

النباتات البرية ثروة طبيعية ثمينة، وركيزة أساسية للتنوع الأحيائي، وهي تسهم بدرجة كبيرة في التصدي للتصحر، وتداعيات التغيّر المناخي، وتحسين خواص التربة وحفظها من الانجراف والتدهور، كما تساعد في حفظ المياه، وتقليل الآثار السلبية لاندفاع السيول، إلى غير ذلك من المزايا البيئية بالغة الأهمية.

إضافة إلى مزاياها البيئية المذكورة آنفاً، وأهميتها في تغذية الحيوانات البرية والمستأنسة، تشكّل النباتات البرية مصدراً حيوياً للأمن الغذائي والازدهار الاقتصادي على مستوى العالم. وتقدر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) أن مليارات من البشر يستفيدون من 50,000 نوع بري، حيث يعتمد 1 من كل 5 أشخاص من سكان الأرض (حوالي 1.6 مليار شخص) على النباتات البرية للغذاء والمعيشة، ويعتمد 2.4 مليار على حطب النباتات البرية للطبخ، كما أن 70% من الفقراء في العالم يعتمدون مباشرة على الأنواع البرية لسبل عيشهم المختلفة، ولا شك أن النباتات البرية مكون رئيسي في الطب الصيني التقليدي، والطب الهندي التقليدي (الأيورفيدا).

وعلى الرغم من عدم الاستفادة المثلى من النباتات البرية حتى الآن، إلا أن حجم سوق المركبات ذات الأصل النباتي (الطبية والعطرية فقط) على مستوى العالم يُقدر بحوالى 443.5 مليار دولار أمريكي في عام 2025، مع توقعات نمو تبلغ 966.5 مليار دولار بحلول 2035.

وفي المملكة، ومع أن أغلب المناطق يسيطر عليها المناخ الصحراوي الجاف، إلا أن هناك تنوعاً نباتياً ملفتاً، حيث سُجل حوالى 2285 نوعاً نباتياً، موزعة على 131 فصيلة نباتية، و855 جنساً، تتركز نسبة كبيرة منها في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية. وتضم فلورا المملكة نباتات ذات مزايا طبية وعطرية وصناعية عالية القيمة. هذه النباتات – رغم أن نسبة كبيرة منها مهددة بالانقراض نتيجة عوامل عديدة - تمثل إمكانية غير مستغلة لتطوير أدوية جديدة، ومنتجات صناعية ذات قيمة اقتصادية تسهم في تحقيق المستهدفات الوطنية بتنويع مصادر الدخل، والاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية، والتنمية الريفية المستدامة، كما يمكن أن تحقق الريادة للمملكة في مجال الاستفادة من النباتات البرية. وبالرغم من أن النباتات البرية (محلية أو مستوردة) هي الركيزة الأساسية للطب الشعبي، ومحلات العطارة في المملكة، إلا أن الاستخدام الاقتصادي الرشيد للنباتات البرية يتطلب إجراء دراسات كيميائية، وصيدلانية، وتغذوية لاستكشاف مركباتها الفعّالة، وتحديد أفضل طرق استخلاصها ومعاملتها، وتجهيزها حسب الأغراض المناسبة لها، وتلافي الآثار السلبية لبعض المركبات التي تحتويها، وهذا يتطلب تضافر جهود الجهات البحثية في الجامعات مدعومة من هيئة تنمية البحث والابتكار، كما أن تشجيع الشركات الناشئة في هذا المجال بدعم من صندوق الاستثمارات العامة من شأنه أن يطوّر منظومة متكاملة من الخدمات والصناعات المرتبطة بهذا المورد الطبيعي المتجدد.

وللدلالة على الأهمية الاقتصادية للنباتات البرية ومنتجاتها المتنوعة سأكتفي بأمثلة محددة، ففي المغرب، وبحسب تقارير رسمية وبيانات سوقية، قُدرت القيمة السوقية لزيت نبات الأرغان (وهو نبات بري واسع الانتشار هناك) بحوالى 1.5 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بزيادة حجم السوق ليصل إلى 2.6 مليار دولار في ظل الطلب المتزايد عليه. ومن المفارقات الغريبة أن نبات اليسر (المورينجا المحلي) وهو أحد نباتات البيئة المحلية في المملكة ينتج زيتاً ذا خصائص ومزايا لا تقل جودة عن زيت الأرغان، إلا أنه لم يجد العناية والاهتمام المطلوب لاستثماره اقتصادياً.

ويعد الصمغ العربي أحد المنتجات الطبيعية ذات القيمة الاقتصادية العالية، حيث يدخل في أكثر من 180 منتجاً صناعياً، وهو يستخرج من بعض أنواع السنط (الطلح) المنتشرة في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وقُدرت القيمة السوقية له عام 2024 بما يقارب 530 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى ما يزيد على 760 مليون دولار بحلول 2030.

ومما يؤكد أهمية البحث والتطوير لتعظيم الاستفادة من النباتات البرية، فقد رصدت إحدى الجامعات الأمريكية مبلغ 70 مليون دولار للاستفادة من نبات الجوايول في صناعة إطارات السيارات.

إن اتساع مساحة المناطق المحمية في المملكة بفضل إنشاء المحميات الملكية، وإطلاق مشروع السعودية الخضراء العملاق، بما يحتوي من متنزهات وطنية، يعزز فرص ازدهار النباتات البرية، مما يمكن الاستثمار الاقتصادي المأمول في النباتات البرية في المملكة.
23:47 | 6-10-2025

التشجير الحضري.. ركيزة أساسية لجودة الحياة

ونحن نعيش الأسابيع الأخيرة من صيف هذا العام الذي يلملم أشياءه استعداداً للرحيل، بعد صيف لاهب وطويل في أغلب مدن المملكة والخليج العربي، نتساءل: هل يمكن الحدُّ من الارتفاع المضطرد في درجات الحرارة ذي التداعيات الصحية والاقتصادية والبيئية؟

تدفع المدن على مستوى العالم ضريبة باهظة للتطور، والنمو، والتوسع العمراني، وازدياد عدد السكان، وما يصاحبه من زيادة وسائل النقل، والأسفلت، والأسطح الخرسانية، وأجهزة التكييف، والمباني الشاهقة، إذ تؤدي تلك المتغيرات إلى زيادة التلوث، وارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ وبمعدل يتناسب طرديّاً مع النمو الأفقي والرأسي، ويزداد الأمر سوءاً بتداعيات التغير المناخي، كما تتأثر مدن المناطق الصحراوية بصورة أكبر.

التشجير الحضري الذي يشمل الحدائق، والمتنزهات، والأحياء، والطرق، والميادين، وساحات المباني، والأحزمة الخضراء حول المدن، ليس مجرد إضافة جمالية، بل استثمار استراتيجي في التنمية المستدامة وجودة الحياة، وهو أفضل الحلول وأقلها تكلفة في سبيل كبح جماح التطرف المناخي في المدن، وما يصاحب ذلك من ارتفاع استهلاك الوقود في التبريد الذي يفاقم مشكلات التلوث والانبعاثات الضارة.

وللتشجير الحضري أبعاد اقتصادية وصحية لا تقل أهمية عن مزاياه البيئية، وهذا ما فطنت إليه العديد من الدول التي أطلقت برامج تشجير عملاقة، ففي سنغافورا مثلاً، ونتيجة للتوسع الحضري السريع الذي التهم المساحات الخضراء، وانتشار المباني الشاهقة التي تعترض تيارات الهواء الطبيعية؛ ارتفعت درجات الحرارة داخل المدينة بـ6 درجات مئوية مقارنة بأطراف المدينة، (قدرت الخسائر الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة في سنغافورا بـ1.6 مليار دولار، وستنخفض إنتاجية القطاعات الحيوية بنسبة 14% بحلول (2035، ما دفع الحكومة للبحث عن حلول عملية تقلل الآثار الاقتصادية، والصحية، والتنموية لهذا الارتفاع، فكان التشجير الحضري هو الخيار الأفضل. وفي الولايات المتحدة، قدّر الخبراء أن التشجير الحضري يوفر في استهلاك الطاقة، وتقليل الوفيات والإصابات الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة ما قيمته 12 مليار دولار سنوياً، كما قدرت فوائد التشجير في العاصمة البريطانية بـ133 مليون جنيه إسترليني سنوياً، وهذا ما حدا بالجهات المعنية للتخطيط لتحويل 50% من مساحة المدينة إلى مناطق خضراء. وتوصلت إحدى الدراسات إلى نتيجة مذهلة لتأثير التشجير الحضري على صحة الإنسان؛ إذ تحسّن مؤشر الالتهابات ذات العلاقة بأمراض القلب والسرطان والسكري بنسبة بلغت 20% في الأحياء المشجرة، مقارنة بالأحياء الخالية من الأشجار، وهذا ما شجع العديد من العواصم والمدن الكبيرة في العالم للتوجه لخيار التشجير الحضري للتقليل من آثار التلوث، وتعزيز التنوع الأحيائي، وتلطيف المناخ (قدر الانخفاض في درجات الحرارة نتيجة التشجير الملائم بـ5 درجات مئوية، بل ذهبت بعض التقديرات إلى تخفيض يتجاوز 10 درجات مئوية، ما يحقق مزايا اقتصادية وبيئية لا تقدر بثمن).

وفي سعي المملكة لتحويل مدينة الرياض إلى مصاف أكثر مدن العالم استدامة وجذباً، وذلك ضمن مستهدفات برنامج جودة الحياة في رؤية 2030، أطلق خادم الحرمين الشريفين عام 2019 مبادرة الرياض الخضراء التي تعدُّ أحد أكبر مشاريع التشجير الحضري في العالم، إذ من المؤمل أن تحول 7.5 مليون شجرة الرياض تدريجياً إلى مدينة خضراء مؤنسنة، يمارس سكانها وزائروها المشي وأنواع الرياضات الأخرى بيسر وسهولة، مما سينعكس بشكل إيجابي على الصحة وجودة الحياة، كما سيتحسن المشهد البصري، وينخفض استهلاك الوقود في التبريد، ما يقلل الملوثات، ويحد من الآثار الضارة لما يسمى بؤر الاحترار الحضري (Urban Heat Islands).

إن المزايا العظيمة للتشجير الحضري التي تم التطرق لبعض منها آنفاً، تجعل منه خياراً استراتيجياً وركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وأهم أنماط التشجير، وتزداد الحاجة له في مدن المناطق الصحراوية، كما هو الحال في أغلب مدن المملكة التي- باستثناء الرياض- لا تزال بعيدة جداً عن تحقيق مستهدفات التشجير الوطنية التي تتناسب مع نموها وتمددها وازدياد عدد سكانها. إن المناخ المتطرف في أغلب أجزاء المملكة، يتطلب مبادرات تشجير متطرفة (إن صح التعبير)، فلا تكفي أعمال التشجير المتواضعة هنا وهناك، كما أن على المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي أن يفعل التعاون مع وزارة البلديات والإسكان للانتقال بالتشجير الحضري إلى آفاق جديدة تسهم في تحقيق المستهدفات الوطنية الطموحة.
00:11 | 14-09-2025

العلم يطعم البشر !

للوهلة الأولى، ولغير المختصين والمتابعين، تبدو العلاقة بين العلم والابتكار، وبين توفير الغذاء غير واضحة، أو غير موجودة أصلاً. ومنذ احترف الإنسان الزراعة قبل ما يزيد على 9 آلاف سنة وهو يختار ويجرب ويؤقلم ويكاثر ما يفي باحتياجاته من نباتات أو حيوانات، ويستبعد ما لا يناسبه منها، وكان بذلك يضع أولى ركائز الاستقرار وبناء الحضارات. ومع مرور الزمن، وازدياد أعداد البشر في الحواضر والمدن، ازدادت الحاجة لكميات أكبر من الغذاء، فشرع الإنسان في استصلاح الأراضي، وتطوير الممارسات والتقنيات الزراعية، واستئناس المزيد من النباتات والحيوانات لتلبي احتياجاته من الغذاء والكساء والدواء.

وبالانتقال إلى عصرنا الحديث، وتحديداً خلال السنوات الخمسين الماضية، اتضح دور العلم والتقنية بشكل كبير في تطوير الإنتاج الزراعي، وتوفير الغذاء لسكان الكرة الأرضية الذين تزداد أعدادهم باستمرار، وتبيّن أن هناك رابطاً وثيقاً بين ما يجري في المعامل وحقول التجارب الزراعية، وبين مضاعفة الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ما أسهم في توفير الغذاء، وإنقاذ مئات الملايين من المجاعة.

إن تضاعف الإنتاج لكثير من المنتجات الزراعية خلال العقود الماضية، وارتفاع كفاءة استخدام الموارد الطبيعية هو نتاج عصارة أفكار وتجارب العلماء والباحثين في مجالات عديدة كالوراثة، والفسيولوجيا، والأحياء، وعلوم التربة، والمياه، والهندسة الزراعية، وغيرها. ويمكن توضيح الدور الحيوي للعلم في تعزيز إنتاج الغذاء بالأرقام والحقائق التي تعكس هذا التطور على مستوى العالم:

• على الرغم من أن مساحة الأراضي الزراعية زادت بنحو 12% فقط خلال 50 سنة، إلا أن الإنتاج الزراعي زاد بأكثر من 200%، ما يدل على أن تلك الزيادة تعود إلى تحسين الكفاءة الإنتاجية وليس إلى التوسع الأفقي، والفضل في ذلك للعلماء والباحثين.

• ما بين عام 1970 و2020 تضاعف الإنتاج العالمي من الحبوب (وهي الغذاء الرئيسي لنصف سكان الأرض)، فإنتاج القمح مثلاً قفز من حوالى 300 مليون طن إلى أكثر من 770 مليون طن، وارتفع إنتاج الأرز بنسبة مقاربة.

• في الولايات المتحدة، ونتيجة الجهود الحثيثة لعلماء المحاصيل والهندسة الوراثية، زاد إنتاج الهكتار من الذرة الصفراء (وهي غذاء رئيسي، ومكون مهم في صناعة الأعلاف) من حوالى 4.5 طن/‏هكتار عام 1970، إلى أكثر من 10.5 طن/‏هكتار عام 2020.

• وفي اليابان ازداد إنتاج بعض المحاصيل الزراعية بمقدار 100 ضعف في الزراعة العمودية والمائية مقارنة بالزراعة التقليدية.

ولا يقتصر تطوير المحاصيل الزراعية على جانب الكم فقط، بل شهدت المحاصيل الرئيسية تحسيناً ملموساً في خصائصها، ومقاومتها للآفات والأمراض، والتطرف المناخي، والإجهاد المائي، ونجح العلماء على سبيل المثال في إنتاج محاصيل حبوب مدعمة بالحديد والزنك وغيرها من العناصر الضرورية.

ولم يكن الشق الحيواني من الإنتاج الزراعي أقل حظاً في التطوير والابتكار؛ فقد شهد إنتاج اللحوم، والألبان ومشتقاتها، والبيض، والأسماك والمنتجات البحرية الأخرى تحسّناً مذهلاً خلال عدة عقود، فعلى سبيل المثال زاد إنتاج الألبان واللحوم بنسبة بلغت 40% في بعض القطعان المحسنة وراثياً، كما قل نفوق الحيوانات بنسبة تجاوزت 30%، وأدت التقنيات الحديثة إلى انخفاض الوقت اللازم للحلب بنسبة 50%، ونجحت أبحاث التهجين والتغذية في زيادة إنتاج البيض بنسبة تخطت 30%، كما ازداد وزن الدواجن بأكثر من 360%، وأسهمت الدراسات والأبحاث في إحداث نقلة نوعية في الاستزراع السمكي، فتضاعف الإنتاج من حوالى 15 مليون طن إلى أكثر من 82 مليون طن في عام 2020.

النتائج المبهرة التي يحققها العلم والتقنية في المجال الزراعي بالغة الأهمية بالنظر إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى حوالى 10 مليارات نسمة عام 2050، ما يستلزم -وفقاً لمنظمة الفاو - زيادة إنتاج الغذاء بنسبة 70% لتلبية الطلب المتزايد.

ومع ازدياد الطلب على الغذاء عالمياً، وتأثير التغير المناخي، وتدهور الأراضي، تتأكد الحاجة إلى التطوير والابتكار المبني على الدراسات والأبحاث، وأصبحت التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والاستشعار عن بُعد، والطائرات المسيّرة، والزراعة الذكية وغيرها، جزءاً من ممكّنات الأمن الغذائي العالمي. وفي الخمسيين سنة الأخيرة تضاعف الإنفاق العالمي على البحث والابتكار في المجال الزراعي، وفي الدول المتقدمة، فإن كل دولار يُنفق على البحوث الزراعية، يحقق عائدًا يصل إلى 10 دولارات من الناتج الزراعي.
00:08 | 15-08-2025

تنمية الغطاء النباتي واستحقاقات المرحلة المقبلة

كان شروق شمس رؤية المملكة 2030 إيذاناً بانطلاق نهضة بيئية غير مسبوقة نقلت المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في المجال البيئي، بل لا نبالغ إذا قلنا إن المملكة وفي فترة زمنية قصيرة أصبحت تتزعم دول العالم في المبادرات والبرامج والمشاريع البيئية.

تنوعت مظاهر النهضة البيئية في المملكة وتعددت ملامحها؛ فمن إنشاء المحميات الملكية، وتضاعف رقعة المساحات الخاضعة للحماية، إلى تأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي، وإنجاز الإستراتيجيات والتشريعات المنظمة للشأن البيئي، والتوسع في الاستفادة من الطاقة المتجددة، وطموح الوصول للحياد الكربوني خلال عقود قليلة قادمة، وأخيراً وليس آخراً إنشاء المراكز البيئية المتخصصة، ومنها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة في الحد من التصحر، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي الطبيعي الذي تعرض لاستنزاف خطير خلال العقود الماضية، كما يقود المركز مبادرة السعودية الخضراء، وهي واحدة من أكبر -إن لم تكن الأكبر- طموحا وتمكينا في العالم.

وفي ضوء التغييرات الجديدة في الإدارة التنفيذية للمركز، ولتحقيق المستهدفات الوطنية، أرى أنه من الضروري أن تأخذ الإدارة الجديدة في الحسبان الاعتبارات التالية:

إن إدارة هذا المركز العملاق، الذي يحظى باهتمام خاص ودعم من القيادة الرشيدة، وبالنظر إلى مستهدفاته الطموحة، ودوره البالغ الأهمية، تتطلب جهوداً استثنائية وأساليب مبتكرة، ورؤية شمولية.

حققت الإدارة السابقة للمركز العديد من الإنجازات، ويكفي أنها واكبت تأسيس وانطلاق المركز من الصفر، ولابد من الإفادة من تلك الإنجازات، والبناء عليها.

نحن في عصر الشفافية والحوكمة، ما يعني أن ثقافة التقوقع والانغلاق، والمبادرات والقرارات المرتجلة وغير المدروسة بعناية، نتائجها كارثية (ما حصل في متنزه الغضا بالقصيم بالسماح للإبل بالرعي فيه نموذج للقرارات المتسرعة).

إطلاق الأرقام والإحصائيات غير الدقيقة في مجال التشجير، واستقطاب المؤثرين والمشاهير لترويجها والدعاية لها، ثقافة لا تجدي في هذا المجال المفتوح الذي يحظى باهتمام ومتابعة القيادة الرشيدة، وقطاع كبير من الهواة والناشطين والخبراء والجمعيات البيئية.

في المنتزهات الوطنية فرص استثمارية كبيرة، إذا أديرت بفكر استثماري ناضج، كما أن النباتات البرية المحلية، ثروة لم تستغل، سواء في الأغراض التنسيقية، أو الطبية، أو التصنيعية، أو التغذوية. تعظيم الاستفادة منها سيشجع على حفظها وإكثارها، ويحقق عوائد اقتصادية كبيرة.

تشجيع وتبني الابتكارات في مجالات التشجير، وتقنيات الري، ومكافحة التصحر، والرصد المبكر لحرائق الغابات، من شأنه أن يسهل تحقيق المستهدفات الوطنية، ويصون الموارد الطبيعية.

الالتفات للحيازات الزراعية، سواء العاملة، أو المهجورة، وإدراجها في منظومة التشجير وفق أسس علمية، سيزيد رقعة المساحة الخضراء ويحقق فوائد بيئية واقتصادية عديدة.

الاستخدام الرشيد للموارد المائية المتنوعة سيسهم في تحقيق تنمية مستدامة للغطاء النباتي.

وضع إستراتيجية ملائمة لحصر ورصد الأنواع النباتية الغازية، وتنفيذ برامج مدروسة للسيطرة المبكرة عليها، سيكون له أكبر الأثر في خفض أضرارها والحد من انتشارها.

تمكين الجمعيات العاملة في مجال البيئة والتشجير بشكل خاص، ودعمها وتبني مبادراتها، ستشكّل إضافة حقيقية لجهود تعزيز الغطاء النباتي، وتحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030 بتمكين القطاع غير الربحي.

لا يزال تشجير الطرق البرية، وجوانب خطوط السكك الحديدية غائباً رغم أهميته، التعجيل ببرامج تشجير مدروسة وفعالة لهذه المواقع سيشكل نقلة نوعية في جهود التشجير.

أخيراً.. لا شك أن المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي يحظى بدعم وتمكين حكومة خادم الحرمين وولي عهده، لتحقيق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء الطموحة، وهذا يتطلب تظافر جميع الجهود، وإشراك كافة الأطراف، فنجاح مشاريع التخضير، والحد من التصحر، تصب في مصلحة الوطن والمواطن والبيئة والتنمية المستدامة.
00:11 | 5-08-2025