-A +A
نوال آل حسين hopefullyf1984@gmail.com
إنسان القرن الواحد والعشرين مختلف عن سابقيه جميعاً، لاسيما وهو المعاصر لزمن الانفتاح على مصادر المعرفة بعد زمن حُرِّم فيه التساؤل استناداً للقول «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم»، فكانت تختنق تساؤلاته لحين وفاته ومن حاول وتجرأ من المفكرين البحث أو التفكير الناقد لم يجن سوى ازدراء العامة له أو حتى تكفيره. لكن الإنسان المعاصر مختلف كلياً، أشعل شمعة التفكير بشجاعة ورغبة في أن يعيش كإنسان يمارس إنسانيته ويُعمِل عقله ويلجأ لخلق برمجته الخاصة التي لا ترتبط بتبعيته الدينية أو السياسية أو المجتمعية. الإنسان المفكر نجا بإنسانيته حين أدرك أن حرية التفكير هي حقه الذي لا علاقة للآخر به، ولكنه واجه الكثير من التحديات والعوائق التي أهمها الكم الهائل من المفاهيم الخاطئة حول معنى أن تكون مفكراً حراً. فهناك من ترعبه كلمة حرية، ويراها منافية للأخلاق ومدعاة للانحلال والبعض يرى أنها تعني التمرد على القوانين والقواعد التي سنتها الدول لتنظيم العمل السياسي والاجتماعي، والحقيقة أنها لا تتنافى مع أي مما ذُكِر، فالأخلاق مقدمة على الحرية، والمفكر الحر اتجه للحرية الفكرية بدافع استخدام إنسانيته، ويملك حق إعمال عقله، بل يرى أنه من أجل الأخلاق يجب حفظ الحريات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع السياسي وظيفته تنظيم العمل وإقامة القواعد التي تشكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تخلق بيئة آمنة لحرية التفكير. فالمفكر الحر يرى في احترام القواعد والتقيد بالأنظمة واجبا وطنيا وأخلاقيا، ويدرك أن النظم الاجتماعية دون التزام أخلاقي تؤدي لانفجارات وكوارث إنسانية عظيمة تخل بالمجتمعات كما حدث بعد الحربين العالميتين، حين لاحظ العالم الغربي أنه كان مخطئا حين لم ينظر للتنظيم السياسي من ناحية أخلاقية، فحدثت المجازر والمذابح التي جعلت الغرب يعيد النظر في الفلسفة الأخلاقية وربطها بالسياسية.

إن عدد الذين يمارسون التفكير الناقد يزدادون يوماً بعد آخر، بصورة مذهلة فقد طرأت الكثير من التغييرات في ذهن الإنسان المعاصر حتى على الصعيد الديني، إذ إنه ليس شرطاً أن المفكر الحر يريد رفض العبادات أو إنكار الأديان، وحين يناقش الأمور الدينية فهو لا يريد أن يتعبّد لمجرد أنه مفروض عليه أن يتبع ما كان عليه آباؤه الأولون، فهو يرفض أن يكون هذا التعبد مفروضاً ويرى أن أدواته في طريقه إلى الله بيده.


يحتج معارضو الحرية ويقولون إن الذين ينادون بحرية التفكير لا يؤمنون بفكرة وجود الحق والباطل وهذا غير صحيح ولكنه اختار مسلك حرية التفكير، لأن هذا الطريق الذي يحفظ كينونته كإنسان له حق التعبير وسلوك الطريق الذي يريد بحيث لا تُلغى إنسانية الإنسان وألا يكون تابعاً لأي تنظيم أو مجموعة.