-A +A
عدنان هوساوي hosawy1@gmail.com
لكل حُكم شرعي حكمة وعلة، يأتي هذا الحكم من مقتضى وصف هذه العلة، ولكل فتوى أحوالها المكانية وظروفها الزمانية، قد تتغير وتتبدل وفقاً لتغير المواقع والأمكنة وبحسب حالة تلك الظروف، ونظراً لوجود فتوى سابقة تحذر من التعامل مع البنوك (الربوية) بأي شكل من الأشكال، غاب دور هذه البنوك في المشاركات المجتمعية بشكل تام، وانعدمت مساهمتها في المشاريع الخدمية التي تخدم المجتمع بشكل مباشر، باستثناء جمع الأموال وحمايتها، وباستثناء الاستثمارات المعهودة في رؤوس الأموال، وبخلاف الببع والشراء في الأسهم المحلية والعالمية، وهو بلا شك دور مهم وكبير، لكنا نتحدث هنا عن أدوار أخرى مهمة ومثمرة، ينحصر وجودها المهم في المشاريع العظمى والمرافق الكبيرة التي تتسم بتعدي المنفعة وديمومة المصلحة فيها، على الرغم من أن البنوك تعد ركيزة أساسية وركنا ثابتا في تمويل المشاريع مالياً، بغض النظر عن طبيعة هذا التمويل الذي دون شك لابد أن تكون عوائده مجزية وفوائده حاضرة، غير أن دعوى عدم تقبل المجتمع في ذلك الوقت لمثل هذه المبادرات ذريعة أخرى يستند إليها في هذا الإحتجاب، في كثير من المجتمعات المدنية، تتبنى البنوك والكيانات الاقتصادية الكبرى مبادرات مجتمعية خدمية، إسهاماً منها في خدمة المجتمع، كنوع من رد الجميل، نظير ما تحققه من عوائد وأرباح، غموض هذا العزوف والإنكماش الصريح أمر يثير الدهشة والتساؤلات، لعدم وجود ما يبرره، قياساً بما تحققه البنوك من أرباح طائلة تجنيه من العمليات البنكية لعملائها الكرام، والمجتمع في نظري في أمس الحاجة الآن لمثل هذه المبادرات، ولو على فترات متباعدة، وحتى يحين ذلك اليوم سيظل مجتمعنا في ترقب وانتظار ولادة مشروع تنموي تتبناه البنوك، تصب فائدته في وعاء الجميع في إطار الامكانات التي تسع قدرتها وتتيحها الحالة الخاصة بها.

طيلة العقود الماضية لم تُرصد أي محاولة تبنٍ بنكية لمشروع أو صرح من صروح العلم، جامعة أو مدرسة أو حتي حضانة، ولم تُرصد أي محاولة للقيام بمشروع صحي، كبناء مشفى أو مستوصف او حتى عيادة، هل سنري مستقبلاً مبادرات فعلية لمشاريع كبرى خيرية، وإذا ما كان إنفاذ تلك المبادرات مرهوناً بتلك الفتوى، فها هي الفتوى قد تغيرت، ومقالي هذا ليس الأول في سياق المطالبات الموجهة للبنوك للاضطلاع بأدوار خدمية إيجابية فاعلة، لكنه تكرار لما بدأه الغير من سنين.