-A +A
صدقة يحيى فاضل
حلت علينا قبل ثلاثة أيام السنة الميلادية الجديدة 2020، التي نسأل الله أن يجعلها أفضل مما سبقها، سنة جلاء حزن، وذهاب هم، وخير وبركة، على الأمة العربية والإسلامية، والعالم أجمع. وكل عام وأنتم بخير. وفي هذه المناسبة السنوية تكثر التنبؤات، بما قد يحدث في السنة القادمة، فقد شهدت الساحة السياسية العربية طيلة العام 2019 أحداثا جساما، أغلبها مؤلم... نتيجة استمرار حال العرب البائس على ما هو عليه منذ خمسة عقود، بل وتفاقمه. ونتيجة لبقاء وتكريس مسببات ضعف وتخلف معظم البلاد العربية، مقارنة بالبلاد المتقدمة، وبكثير غيرها. وما زال لتأثيرات ما عرف بـ«الربيع العربي» الذي تفجر الفصل الأول منه في العام 2011، صدى واسع، جعل المنطقة تمر بتطورات سياسية هائلة، وغير مسبوقة... تمثلت في ثورات شعبية، وثورات سلطوية مضادة، دامية وعشوائية. شمل الفصل الأول منه كلا من: تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا. وفي فصله الثاني، الذي شهده العام 2019، داهم كلا من: الجزائر، السودان، لبنان، العراق. واستمرت الاضطرابات في كل من: اليمن وليبيا وسوريا. ومن المتوقع أن ينشغل العالم العربي، والعالم معه، بما تبقى من أحداث وتطورات هذا «الربيع» الذي تحول في أكثر البقاع المتأثرة به إلى خريف. وسيتلازم الاهتمام به، وبما تبقى من تداعياته، مع الاهتمامات العربية الكبرى الأخرى.

وقد يشهد العام 2020 – في الغالب – ذبول هذا الربيع، وعودة أغلب بلاد العرب إلى ما كانت عليه قبله، مؤقتا وحتى إشعار آخر... لأن بذور الاضطراب وعدم الاستقرار ما زالت قوية وقابلة جدا للنمو والانفجار، في أي لحظة. بل هي الآن أقوى من ذي قبل. فمن أهم ما تمخض عنه هذا الربيع هو الرفض الشعبي العربي التام لديمومة نوعية الأنظمة الاستبدادية (الجمهورية، أو الجملوكية) التي كانت سائدة قبل ذلك، وما زال بعضها قائما. ولا بد من إدراك أن الفوضى الحالية، المتمثلة في غياب الأمن وعدم الاستقرار والتشرذم في ما يوازي نصف عدد الدول العربية سببها الرئيس الاستبداد. والدرس الذي يجب على العرب أن يعوه هو: ضرورة اتقاء «شرور» أي ربيع بالتنمية السياسية الإيجابية. ولذا، يمكن القول بأن هذه السنة، وربما التي تليها، قد تشهد تراجعا ربيعيا، ولكنه تراجع مؤقت، طالما بقيت أسباب اندلاعه.


****

وبما أن موضوع مقالنا اليوم هو عن التكهن بماذا سيجري في عالمنا العربي بخاصة، في العام الجديد، فإن من المناسب أن نذكر بـ«أسباب» ضعف وتخلف واضطراب معظم العرب، والتي لخصناها عدة مرات في «المسببين العتيدين» اللذين يذكرهما متابعو هذه المقالات المتواضعة. وطالما بقي هذان المسببان، فإن البؤس العربي سيستمر، بل ويتفاقم بفعل الزمن. وبما أنه لا توجد مؤشرات على قرب تغلب العرب على هذين المسببين أو تجاوزهما، فلا يمكن التفاؤل بسنة جديدة مشرقة. إذ يتوقع استمرار معاناة العرب من الاضطرابات، وعدم الاستقرار السياسي الحقيقي، وما ينجم عنه من تدهور أمني واقتصادي، يجعل حلقة «الفقر، الجهل، المرض» مستحكمة أكثر في رقاب كثير من الشعوب العربية. فالغرب المتنفذ والقوى المرتبطة به، والمتحالفة معه، ما زالت في موقف أقوى.

ويلاحظ أن المسببين سياسيان. لذا، فإن الحل، والخروج من هذا النفق المظلم يبدأ بالعمل «السياسي» الإيجابي أولا. والبعض يرى بأن التعليم هو مفتاح التغيير، وليس «السياسة». فإن تغير التعليم وتطور، تتغير – في رأيهم – الحياة، وتتحسن. وهذا صحيح، إذا تجاهلنا «العوامل» الأخرى الأهم. فمع الأهمية الحاسمة للتعليم - وقبله الصحة - إلا أن السياسة (لأنها تدير كل الفعاليات) يمكن أن توفر تعليما جيدا، ويمكن أن تفعل العكس، أو حتى تكرس الجهل. من هنا تأتي السياسة، لتصبح أهم «عامل» في تطور الحياة العامة للبشر. ولذا، تحظى الأحداث والتطورات والأوضاع السياسية المختلفة بالاهتمام الأكبر... لما لها من تبعات، وانعكاسات (إيجابية وسلبية) على كل مناحي الحياة الأخرى. ولهذا الحديث بقية في الأسبوع القادم.

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com