-A +A
فهد إبراهيم الدغيثر
تلقيت دعوة كريمة من صديق عزيز قبل عشرة أيام للجلوس معه وضيفه الأمريكي الذي كان يعمل صحفياً في «واشنطن بوست» قبل أن يتقاعد ويتفرغ للعمل في معهد للدراسات في واشنطن مع اهتماماته بتأليف بعض الكتب السياسية. حرصت على تلبية الدعوة ظناً أنها ستساعدني ولو قليلاً على فهم ما يحدث في عدد من وسائل الإعلام الغربي من حملات مسعورة وغير مسبوقة ضد بلادي.

الملفت لمن يتابع مقالات وتقارير عدد من الصحف الغربية تجاهلهم التام لأي أخبار إيجابية حول السعودية. من أكثر العبارات خبثاً وتلحظها عندما يتحدثون عن التحول الإيجابي الهائل في المملكة، عبارة مفادها أن كل ما يحدث هنا من تغيرات مذهلة إنما هو لتحسين صورتها أمام العالم. وضعوا هذه العبارة مع اكتتاب أرامكو ومع تغطية بطولة العالم للملاكمة في الدرعية وقد تابعها مئات الملايين حول العالم، ومع سباق الفورملا الدولي، ومع برامج الترفيه المرافقة. يتحدثون عن تطهير السمعة وكأن الحكومة السعودية هي حكومة هتلر أو خامنئي أو موقابي.


سألت ضيفنا لماذا هذه الحملات التي لم يحدث لها مثيل طوال نصف قرن مضى؟ وكان جوابه كما توقعت، أن بعض الأمريكيين قلقون من سير محاكمة المتهمين بقضية خاشقجي على سبيل المثال ومن الحرب في اليمن ومن موضوع فندق الريتز ومن إيقاف بعض الأفراد بسبب آرائهم المعارضة للدولة. بمعنى آخر هو يردد ما يصدر من بعض منظمات حقوق الإنسان والمراكز المأجورة في واشنطن والتي نعرفها جميعاً ونعرف من يمولها. قلت له حسناً لنتناول قضية إسطنبول أولاً. الحكومة أقرت بما حدث ووصفته بأبشع العبارات واحتجزت من نفذوه وهم أمام القضاء. هل تريد منا أن نستقدم قضاة من أمريكا لمحاكمة المتهمين السعوديين؟ القضاء لدينا يستمر في محاكمة المتهمين وسيصل إلى حكم نهائي قابل للاستئناف. قلت له هل تذكر محاكمة أوجي سيمبسون التي استغرقت قرابة العام ونصف رغم وضوح الأدلة وسهولة الإدانة؟ إن كنت يا عزيزي لا ترى في نظام القضاء السعودي النزاهة والعدل فهذه مشكلتك لكن هذا القضاء هو الذي يحكم بعشرات الآلاف من القضايا داخل المملكة وهو عريق بعراقة الدولة منذ تأسيسها.

أما اليمن فلا أظن بأن الحكومة الأمريكية ستقف موقف المتفرج أمام مليشيا مسلحة بدعم طرف ثالث تستولي عنوة على الحكم في المكسيك مثلاً وتطلق الصواريخ على مدنكم من وقت لآخر. حتى في اليمن تتجنبون الحديث عن الدعم الإنساني السعودي لليمنيين وهو الأضخم ويشمل الغذاء والدواء والتعليم.

نفس الأمر في ما يتعلق بالريتز وبمحاكمة بعض الموقوفين. الشعب السعودي يدرك بأن الفساد وباء مستطير وعدو للتنمية وأن مواجهته تعتبر حتمية ومفصلية. لتعلم أن عدداً كبيراً ممن تم إيقافهم في الريتز كانوا تحت نظر الأجهزة الرقابية منذ زمن طويل وتمت مواجهتهم بذلك. البعض منهم خرج بريئاً لعدم كفاية الأدلة والبعض الآخر وافق على إعادة الأموال وعاد إلى بيته. أما من تزعمون بأنهم «سجناء رأي» فعدد منهم تلاحقهم تهم خطيرة منها تهمة الخيانة العظمى المتمثلة بقبول المال من دول أجنبية في سبيل الإضرار بالمملكة. قال ولماذا لم نقرأ عن هذه التهم ولم نعرف تفاصيل حالة الريتز؟ قلت له هنا أتفق معك وأتمنى أن تخرج التفاصيل والتهم إلى الرأي العام. على أننا في المملكة عموماً نتحفظ على موضوع التشهير بالمتهمين بشكل عام لأسباب بعضها ربما شرعية وبعضها اجتماعية. لديكم في الولايات المتحدة يخرج اسم المتهم بمجرد القبض عليه ولديه الفرصة بالخروج من التهمة بريئاً أو قبول حكم القضاء. في المملكة لا نعلن عن الأسماء حتى مع القبض على المتهم بالجرم المشهود. لعل الدولة حريصة على عدم الإضرار بسمعة العائلة التي ينتمي لها المتهم. في المملكة تلعب الأسرة والقبيلة دوراً مهماً في الترابط الاجتماعي الصلب ولسنا كما الولايات المتحدة في التعامل مع هذه الأمور. في أحيان كثيرة تتم المصالحات في المحاكم بين المعتدي والمعتدى عليه بسبب هذا التلاحم العائلي والقبلي دون أن يخرج اسم المعتدي. عليك أن تدرك هذه الفوارق الاجتماعية بيننا وبينكم قبل إصدار الأحكام المنحازة.

قلت له ولكن ماذا عن إيران وجرائمها في العراق وسوريا وفي الداخل الإيراني؟ وعن تركيا واعتقالها لآلاف الصحفيين والمعارضين بعد ذلك الانقلاب المشبوه؟ وعن قطر ودعمها الواضح للإرهاب وإنفاقها الهائل في كل مكان لشراء الذمم وخلق الأكاذيب؟ ألم تسمع بالقضية المرفوعة في إحدى محاكم ولاية فلوريدا ضد شقيق أمير قطر وما تفرع منها؟ ألم تسمع بتورط السيدة إلهان عمر، وهي عضو منتخب في مجلس النواب الأمريكي، بتلقي المال القطري؟ هل تعلم بأن عدد المقالات التي تناولت الشأن السعودي يتجاوز عددها حول إيران وتركيا وقطر مجتمعة؟ يبدو يا عزيزي أن حملتكم على السعودية مرتبطة بحملتكم ضد الرئيس ترمب. لكن حتى مع هذا الافتراض وحتى مع غياب الموضوعية، لا يجوز تغافل الإعلام الأمريكي العريق عن مواضيع الأمن الوطني الأمريكي وتغلغل المال الأجنبي في صناعة التشريعات التي تهم بلادكم.

الموضوع الذي أدهش هذا الصحفي وقد تحدث وقابل عددا من السعوديين قبل هذا اللقاء، هو الشعبية الطاغية التي يتمتع بها الملك وولي العهد. قلت له وما الغرابة؟ الشعب السعودي يرى وحدته وقوته في تلاحمه مع الأسرة الحاكمة لأنها نشأت من هذه الأرض ودور الملك عبدالعزيز في توحيد هذا الكم من القبائل والمناطق داخل شبه الجزيرة العربية في نظر سكان المملكة هو الربيع الحقيقي. وبالمناسبة ففي كل مرة تتناولون الشأن السعودي وولي العهد تحديداً بأطروحات سلبية يزداد هذا الولاء قوة ومتانة لأن هذا الشعب بوعيه المكتسب أصبح يرى معظم منافذ الإعلام الأمريكي مع الأسف، منحازة وفاقدة للمصداقية والثقة.

* كاتب سعودي

@F_Deghaither