-A +A
السيد محمد علي الحسيني
بقدر ما هو مهم اغتنام الفرص الثمينة التي تتداعى عن أوضاع وظروف معينة والاستفادة منها قدر الإمكان، لكن الأهم من ذلك هو التفكير في ما بعد تلك الظروف والأوضاع والتدبير لها، إذ وكما هو معروف فالأيام دول، والظروف والأحوال لن تستقر على حال، وإن ألمانيا واليابان عندما خرجتا من الحرب العالمية الثانية مهزومتين والدمار في كل مكان، فإنهما لم تستسلما لذلك الواقع الوخيم وجعلتا جل اهتمامهما في البناء والعمل المثابر في المجالات الاقتصادية والتنموية في مختلف المجالات حتى صارتا قوتين اقتصاديتين يحسب حسابهما، لكن، وعندما نلقي النظر على دول أخرى أتيحت لها فرص غير عادية لتحقق تقدما كبيرا في مختلف المجالات كأغلب البلدان المصدرة للبترول التي صار دخل العديد منها أسطوريا إن صح التعبير، ولكن للأسف البالغ شغلت نفسها بأمور وأوضاع لم تكن تخدم شعوبها ولاحتى النظم السياسية نفسها، فجاء اليوم الذي شاهدت فيه الوجه الآخر للزمان وانقلبت بها الأحوال وللأسف البالغ فإن الشعوب هي من تدفع الثمن الآن، وإن العراق وليبيا على سبيل المثال لا الحصر نموذجان بهذا الصدد.

إيران عاشت عصرها الذهبي في عصر أوباما.. نفوذ وهيمنة على المنطقة


حديثنا عن ألمانيا واليابان اللتين تجاوزتا وتخطتا فترة عصيبة جدا وحققتا طفرة يشار لها بالبنان في مختلف المجالات، يقود إلى الحديث عن العراق وإيران اللتين يمكن إيرادهما كنموذجين مهمين بهذا الصدد، إذ إن العراق وخلال عهد صدام حسين، وبعد فترة علاقات نوعية متقدمة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن ساءت العلاقات بينه وبين الكويت عقب إتمام التشاور مع السفيرة الأمريكية كلاسبي وقتئذ في العراق، فإنها أعطت إشارة خضراء لصدام دفعته للإقدام على احتلال الكويت، لكن، بعد ذلك رأى العالم كيف أن الولايات المتحدة قد أدارت ظهر المجن لصدام وحشدت العالم ضده وجرى الذي جرى والذي يبدو أنه لا يزال هناك من لا يتعظ من ذلك، لا سيما إيران، إذ خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق أوباما، والتساهل والمرونة التي أبداها مع إيران إلى حد إرسال المليارات من الأموال المجمدة بالطائرة إلى طهران وتوسع النفوذ الإيراني بصورة غير عادية حتى تمكنت من الهيمنة على أربع دول وصارت الآمر الناهي فيها، وبدلا من أن تنتبه إيران لهذه الفرصة التي سنحت لها التي كانت «ربيعا» غير مسبوق هيأه أوباما لها، فإنها وكالشجرة غير المثمرة انطلقت للأعالي ولم تفكر بالعواصف والرعود التي لا تسمح كثيرا لهكذا أشجار بالبقاء واقفة، وتصرفت وكأن الأمر سيدوم على هذا المنوال حتى صحت على انتهاء فترة ولاية أوباما أو بالأحرى ربيعها الاستثنائي الطارئ واستلام ترمب مقاليد الأمور في البيت البيضاوي، حيث بدأت فترة عصيبة جدا لم يسبق أن صادفت إيران نظيرا لها في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من الخطأ إطلاقا وصف هذه الفترة بخريف ترمب الذي أطل على إيران فجعل ربيعها يبابا.

انتفاضة مناطق شيعية تخضع للهيمنة الإيرانية.. تنهي عصر الرخاء الإيراني

إيران التي كان قادتها للأمس القريب وخلال ربيع أوباما وعصره الذهبي بعد هيمنتهم على أربعة بلدان عربية، يتبخترون بأن حدودهم وصلت إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر وأن بغداد صارت عاصمة إمبراطوريتهم، فإنهم اليوم يطلقون التصريحات تلو التصريحات حيال الأوضاع الصعبة التي تواجههم ليس في إيران وحدها وإنما في العراق أيضا الذي يشهد رفضا شعبيا فريدا من نوعه لإيران وأذرعها في هذا البلد، والذي يميز هذا الرفض أن الشيعة العراقيين هم على رأس ذلك الرفض، أما في لبنان، فإن مختلف مكونات وطوائف الشعب اللبناني قد خرجت ضد إيران وضد هيمنة حزب الله، كما أن اليمن وبحسب ما يرى المراقبون السياسيون فإن الحوثيين على موعد مع أوضاع وظروف داخلية لن تسمح لهم بالبقاء طويلا في الأوضاع «الحرجة» الحالية، أما في سوريا، فإن كل الأدلة والمؤشرات تؤكد أن طرد إيران وميليشياتها سيكون عن طريق النظام السوري نفسه وإن موعده قد بات يقترب أكثر من أي وقت آخر، أما داخليا فإن إيران حاليا كالمرجل والشعب ككل يقف ضد النظام وحتى أن إخماد الانتفاضة التي اندلعت في أواسط شهر نوفمبر/‏تشرين الثاني المنصرم لا يعني أي انتصار سياسي أو أمني، بل هو أشبه ما يكون بالسكون الذي يسبق العاصفة، هذا إذا ما تذكرنا الأحواز التي تغلي غضبا ضد المحتل الفارسي وقد تكون المفاجأة التي تذهل النظام منها ولا سيما أن المعاناة المزدوجة التي يعيشها العرب هناك قد أوصلتهم إلى حد صاروا يفكرون بخيارات أبعد من حقوق نسبية، وفي مجمل الأحوال، فإن اللعبة الأمريكية الحالية مع إيران، هي ذات اللعبة التي لعبتها مع صدام حسين وأوقعته في الفخ، وإن إيران المثقلة بهمومها ومشاكلها وأزمتها الداخلية الحادة التي لا تجد لها من علاج وإن اضطرارها إلى رفع أسعار البنزين مع علمها بالنتائج السيئة التي ستنجم عنه، أفضل مثال على ذلك، كما أن نفوذها في العراق ولبنان واليمن وسوريا، صار عبئا يقصم ظهرها، وقبل هذا وذاك فإن خناجر العقوبات التي يتفنن ترمب بين كل فترة وأخرى في غرز واحدة منها في المكان الذي يختاره من الجسد الإيراني المنهك، يجعل منها أشبه بالشجرة التي صارت شبه مجتثة بعد أن قطعت الرياح والعواصف كل أغصانها وصار سقوطها مؤكدا!

* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.