-A +A
عبده خال
توارى جثمان الأستاذ الكبير عبدالفتاح أبو مدين. هو أستاذ حقاً، فحين كنت مداوماً على حضور مناسبات نادي جدة الأدبي، كانت كلمة (الأستاذ) هي الشفرة التي تعني عبدالفتاح أبو مدين، فليس هناك من أستاذ سواه. ومع رحيل هذا الجبل الثقافي، ما الذي يمكن ذكره من صفات وخصال ومبادرات لذلك الشاهق؟ فعل كل شيء، ودفع بالثقافة المحلية إلى الصدارة، ولو أردت تجسيد شجاعة الأستاذ، فلن أجد تمثيلاً خالصاً لهذه الشجاعة سوى التطرق إلى احتضانه موجة الحداثة بكل عنفوانها. في ذلك الزمن كان كل مسؤول ثقافي ينأى بنفسه في أن يكون هدفاً لكل الأسهم المصوبة والطائشة لمجرد ذكر مباركته لتيار الحداثة، فإذا بالأستاذ يحتضن التيار الحداثي ويدعمه بكل قوة وشجاعة، فأحدث فارقاً مهماً جداً لمساندة الأدب الجديد من خلال المحاضرات والإصدارات التي تم نشرها وتوزيعها على مستوى العالم العربي، وأصبح عنوان الثقافة المحلية لدى أدباء العالم العربي هو نادي جدة الثقافي. والجميل في الأستاذ أنه لم يكن ليصادر أي رأي، ومع أن جل ثقافته (كلاسيكية) فقد أعطى الحداثيين فرصة مفتوحة لأن يمارسوا كل أنشطتهم من غير غضاضة، فأحدث النادي طفرة ثقافية متقدمة جداً. ومن الصعوبة أن تعطي مقالة بهذا القصر الراحل حقه، وهذا إبخاس له ولدوره الثقافي سواء كرئيس للنادي أو إظهار مواقفه الشجاعة -خلال مسيرته الأدبية- أو كتبه، فالقامات السامقة لا تصل الكتابة عنها إلى الحد الأدنى من ذلك الشموخ. كان ساعياً جاداً -من سعاة الثقافة- لحصد المراتب المتقدمة، وأذكر له مقولة لم تفارقني عندما يقول: «الثقافة مغرم وليست مغنماً». أي أن مناصبها تكسبك العداوات أو وضعك تحت (الضرس)، فليس لها من مكسب سوى وضعك تحت العين الحمراء. رحم الله أستاذنا عبدالفتاح أبومدين رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.