-A +A
محمد الساعد
لم تكن الأممية الإسلامية بمفهومها «الشعبوي الرومنسي» موجودة في أدبيات الشعوب الأعجمية المسلمة، وإذا كانت فهي على استحياء وتختفي سريعاً أمام اهتماماتها الداخلية على عكس العالم العربي الذي استخدمت فيه التنظيمات والأحزاب الدينية «القضايا الإسلامية» بكثافة على حساب الأوطان الأصلية، من أفغانستان إلى كشمير والشيشان مروراً بمندناو والبوسنة والهرسك فضلاً عن فلسطين، وكان التعاطف معها وتقديمها على الأوطان معياراً للإسلام، ومن خلالها تتم محاكمة الأفراد وإخراجهم من الدين.

لقد بنت الأحزاب السياسية - الإسلاموية - في تركيا وماليزيا هويتها كمدافعة عن الخيار الإسلامي لجلب أصوات أعلى داخل منظومتها الاجتماعية، وقد نجحت في ذلك، لكن همومها كانت موجهة إلى أوطانها، بالطبع استخدمت الهوية الإسلامية للفوز وأخذ حصة من «سوق الانتخابات»، ثم القفز إلى مستوى خارجي، ففي آخر الأمر هي جزء من أحزاب إسلاموية تحمل أيدلوجيا نمت في بلدان عربية وإسلامية أخرى؛ بهدف إنشاء سلطنة عابرة من ماليزيا شرقاً وحتى الدار البيضاء غرباً.


الإسلام في ماليزيا مؤثر لكنه محدود، فالمسلمون لا يشكلون سوى 50% من تعداد السكان؛ ولذلك يمكن أن تصنف ماليزيا على أنها دولة فيها مسلمون وليست دولة إسلامية خالصة، فهي كحكومة تدافع عن حقوق الهنود الهندوس والسيخ، والصينين البوذيين، والمسيحيين كما المسلمين.

بالطبع لم تكن هناك أي اهتمامات تذكر للماليزيين بفلسطين بمفهومها الحاضر في الشارع العربي فما بالنا بكشمير والروهينغا وغيرها، فالعلاقات الإسرائيلية الماليزية وإن كانت غير رسمية، إلا أنها حاضرة في التاريخ السياسي بين البلدين، فقد شهد العام 1965 أول زيارة لوزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شاريت، إلى العاصمة كوالالمبور، وكان الوزير اقترح حينها تعيين قنصل لـ«تل أبيب» في البلاد، وقد وصف موشيه شاريت، وفقاً «للرواية الإسرائيلية»، رد الجانب الماليزي على الاقتراح بقوله «مقبول بلا تردد»، لم تتطور العلاقة كثيراً لظروف عديدة، لكن ذلك لم يؤثر على التبادل التجاري الذي وصل لما يزيد 1.43 مليار دولار سنوياً، هذا فضلاً عن استقبال وفود إسرائيلية تحت مسميات متعددة كان آخرها مشاركة إسرائيل في مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الذي يضم 20 ألف شخص في كوالالمبور.

هذه إشارات تؤكد أن ماليزيا تتعامل مع مصالحها أولاً وليس من خلال العواطف، وهي في النهاية كما تركيا تستخدم الأمة الإسلامية «كشعارات للتصدير».

على الجانب الآخر من معادلة استخدام «الأمة للتصدير»، نجد أن تركيا - وهي دولة غنية وقوة اقتصادية في الإقليم وإحدى دول العشرين- من أقل الحكومات دعماً لاقتصادات الدول الإسلامية الفقيرة، وما تبذله عبر مكنتها الإعلامية هي شعارات لا أكثر، ورمي لمسؤوليتها على الدول الأخرى.

أنقرة دولة ناجحة جدّاً في استثمار قضايا المسلمين وتحويلها إلى مكاسب، على سبيل المثال أرسلت تركيا في العام 2010 سفينة «مرمرة» محملة بأغذية لا تتجاوز قيمتها عشرة الاف دولار الى قطاع غزة، مخترقة السواحل الإسرائيلية تحت غطاء اعلامي كثيف، كان الهدف تحقيق شعبية في الشارع العربي والفلسطيني والترويج لفكرة وقوف اردوغان مع الأقصى، لقد تم تصوير الجنود الإسرائيليين وهم يقتحمون المركب ويصادرون علب الفول والبازلاء، لكن أحداً لم يسأل نفسه كم حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل في العام 2010، وكيف انعكست قضية المركب عليه، دعونا نقرأ التقرير التالي..

في العام 2010 - سنة إرسال مركب «مرمرة» إلى السواحلة الفلسطينية -، بلغ حجم التبادل التجاري بين تل أبيب وأنقرة 2.6 مليار دولار، وعلى الرغم من وقوع حادثة السفينة في العام نفسه والأزمة السياسية التي أعقبتها، إلا أن التجارة بين البلدين ارتفعت بشكل غير مسبوق لتبلغ ذروتها في عام 2014 مسجلة 5.8 مليار دولار.

كانت تركيا وما زالت هي الأكثر استفادة واستغلالاً للشعارات المزيفة، وتتعامل مع قضايا الأمة الإسلامية من خلال معادلة الربح والخسارة، وتحولها لمكنة مصالح تدر الأموال على الاقتصاد التركي، فمسلمو الصين- تركستان الشرقية - اختفت قضيتهم مع تحسن العلاقة بين أنقرة وبكين، ولأن الروهينغا هم الأكثر رواجاً هذه الأيام، ولأن الصراع هو في أساسه حول غاز «بحر البنغال»، فتركيا تبحث عن الفوز بمصالح اقتصادية مقابل ابتزاز دول حوض البنغال بقضية الروهينغا لا أكثر، وعند تحققها ستتراجع قضية الشعب الروهينغي إلى داخل أدراج السياسة التركية، لتستخرج أنقرة قضية أخرى تتاجر بها، وإذا أفلست فليس هناك أسهل من قضية فلسطين يمكن استرجاعها واستثمارها في كل وقت.

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com