-A +A
هاني الظاهري
يعتقد بعض الطيبين أن الهبوط ببراشوت الواسطة والمحسوبية على كرسي المنصب مسألة عادية قد لا تؤثر كثيراً على المؤسسات وتنتهي آثارها برحيل المسؤول البراشوتي إلى مكان آخر، لكن هذا للأسف غير صحيح، فمجرد هبوط مسؤول براشوتي واحد على كرسي المنصب في جهة ما يعني تدميرها لثلاثة أجيال لاحقة من الموظفين، وهذه ليست مبالغة لأسباب سأفصلها في النقاط التالية:

أولاً: عادة ما يكون المسؤول البراشوتي ضعيف المهارات والإمكانات وهو ما يسبب له حرجاً كبيراً بين الموظفين المحترفين الذين يعملون تحت إدارته وهذا أمر يدفعه لمحاربتهم وبذل كل جهد يقدر عليه لإخراجهم من الجهة التي يديرها حتى لا ينكشف ضعفه أمام بقية الموظفين أو المستفيدين من خدمات تلك الجهة، وهذا بالطبع أمر من شأنه أن يفرغها تماما من الكفاءات المميزة وينعكس على أدائها بشكل كارثي.


ثانياً: يسعى المسؤول البراشوتي منذ لحظة هبوطه على كرسي المسؤولية إلى إحاطة نفسه بالأغبياء الموالين له، فمعيار الكفاءة عنده هو الولاء المطلق لشخصه وليس المهنية أو الخبرة، وهذا عادة ما يدفعه إلى توظيف مساعدين براشوتيين له من جهة، وتقريب الموظفين السيئين الذين يجيدون التطبيل له من جهة أخرى وقد يصل الأمر به لترقيتهم لمناصب عليا من باب إرسال رسالة غير مباشرة لبقية الموظفين مفادها «طبّل تفز».

ثالثاً: ينكشف المسؤول البراشوتي سريعاً نتيجة بعض الأخطاء وسوء أداء المؤسسة التي يديرها مع فريقه الذي يشبهه، وهو ما يجعله عرضة للإقالة والإبعاد من قبل الجهة التي عينته، لكن هذه لن تكون النهاية في مسلسل دمار المؤسسة؛ لأنها باتت فعلياً خلية للفاشلين والبراشوتيين الذين سيتسلم أحدهم زمام المسؤولية بعد رحيل البراشوتي الأول وتبدأ دورة جديدة من الفشل.

رابعاً: في الظروف العادية وعند غياب المحاسبة يحتاج الأمر لأكثر من 25 سنة ليتقاعد آخر براشوتي من خلية المسؤول البراشوتي الأول، وقد يحالف الحظ المؤسسة بتولي جيل جديد إداراتها.. جيل يمتلك الكفاءة لإعادة بنائها بعد «خراب مالطا» الذي أصابها، لكن هذا الجيل قد يحتاج إلى سنوات عديدة لإتمام مهمته، وقد يفشل تماما وهو في نصف المهمة بسبب هبوط مسؤول براشوتي جديد على رأسه يعيد الوضع إلى نقطة البداية.

عندما نشاهد اليوم مؤسسات وأجهزة ضعيفة الأداء وعصية على التطوير والتغيير بشكل شرس، فيجب أن ندرك أنها تعاني من سيطرة خلية صنعها براشوتي قديم ربما ما زال فيها وربما رحل وخلّف لأعضاء الخلية تركة ثقيلة ستستمر في السيطرة على مفاصل المؤسسة لثلاثة عقود لاحقة، والعلاج الناجح في هذه الحالة ليس تغيير مسؤول بآخر أو سن قوانين جديدة بل بتفكيك المؤسسة نفسها تحت مظلة قانون طوارئ خاص يسمح بتغيير كل قياداتها من الصف الأول والثاني والثالث دفعة واحدة إما بتفريقهم على مؤسسات أخرى أو بإنهاء خدماتهم، تماما كما يفعل المزارع عندما يحرق الأرض قبل نشر البذور لبدء دورة حياة جديدة، أما غير ذلك فلن يفيد لأن الكارثة التي يخلفها مسؤول براشوتي واحد تشبه الوباء الذي يستحيل أن يستجيب للمعالجة الجزئية مهما كررنا المحاولة.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com