-A +A
منى العتيبي
تلقيتُ إهداءً من أحد المتابعين بمنصة تويتر، وهو كتاب تأطير التطرف للدكتور رشيد بن خلف، قرأت الكتاب كاملا والجهد الواضح للمؤلف في ضبط مفهوم التطرف وتأطيره في سياقاته التاريخية منذ النشأة، وتوفق المؤلف في الإشارات الضمنية إلى أن «التطرف» مفهوم وليس مصطلحاً؛ لأن هناك فرقاً شاسعاً بين المفهوم والمصطلح يعرفه أهل اللغة، ومن خصائص المفهوم اعتماده على الاستنتاجات، أي أنه من الممكن استنتاج المفهوم بالاعتماد على دراسات معاصرة أو سابقة، أو من خلال الخبرة والمعلومات التي تتوافر عند الباحث بعد دراسته للمفاهيم دراسةً كافية، وبذلك يأتي المفهوم متماشياً مع التحولات الفكرية والثقافية، بحيث يشمل جميع المضامين الطارئة ويحتويها.

وحدد الباحث منشأ التطرف كما سماه في «أوحل» ثلاثة: العامل النفسي، البيئة العلمية، التركيبة المنهجية الفكرية ثم تفرعت هذه الأوحل إلى علل وأسباب وأنماط شكلتها..


وما طرحه الباحث في دراسته واقعي وأتفق معه، ولكنه بقي في الصورة النمطية للتطرف.. المنابع الأولى في سياقها التاريخي ولا أختلف معه بأنها ما زالت متنامية حتى يومنا هذا، ولكنها ليست هي وحدها الأسباب والمنشأ في عصرنا الحاضر.. التطرف الآن تعددت مصادره وتنوعت منابعه التي أخذت أنماطاً عجيبة وغريبة لا علاقة لها بالبيئة العلمية ولا بالتركيبة المنهجية ولا العوامل النفسية.. فالمنهج المدرسي الذي درسته أنا وأنت وذلك المتطرف واحد، ولكننا لم نكن جميعاً متطرفين.. البيئة التي تربيتُ فيها أنا وأنت والمتطرف واحدة ولم نكن متطرفين.. الروافد العلمية نفسها ولم نكن جميعاً متطرفين؛ لذلك أرى ثمة غموضاً يحيط بمنشأ التطرف الفكري الحقيقي.. غموضاً بقدرته اختطف البعض وسيطر عليهم فكرياً.. غموضاً يستغل الفراغ الفكري والعاطفي لدى المتطرف ويغذيه حتى يشكله لنا متطرفاً وباعتقادي يأتي أحد أسباب ومنشأ هذا الغموض /‏ بعد المراحل الثلاث التي ذكرها الباحث وتعد هي المنشأ الحقيقي وما ذكره الباحث مجرد الساحة التي تمهد لنشأة التطرف.

وبالنسبة إلى ما ذكره الباحث من وسائل العلاج لأنماط التعصب (الديني، السياسي، الذاتي وغيرها) بالكاد وسائل عملية وقد تسهم في الحد من التطرف، ولكنها ليست كلها الوسائل التي نحتاجها في هذه المرحلة الزمنية؛ لأن نواتجها بطيئة أمام هذا التسارع من الانفتاح على الآخر.. الآخر المتطرف والآخر المختلف كلياً عن هويتنا التي قد نفقدها تماماً معه، وذلك مثل ما ذكره في طرق العلاج مع تعصب الخلافة.. أغلب المتطرفين يدركون مصائر الخلافات السابقة ولا يحتاجون منا توضيحاً ولكن بالرغم من ذلك هم مصرون على ضرورة وجودها ! في اعتقادي إحدى الإجابات تأتي: لأنهم متعطشون إلى صورة البطل المفقود.. البطل الذي رسمه لنا التاريخ وكان هو العزة والفخر والقوة والسيادة.. شبابنا يلهثون وراء التطرف؛ لأن مَن اختطفهم استطاع أن يغذي في نفوسهم وتصوراتهم صورة البطل المفقود واستغل حماسهم نحو ذلك وشوهوا الأوطان والحكومات في نفوسهم؛ لأن هناك بطلاً إنسانياً قوياً ذا سيادة سيعيد لهم كرامتهم المزعومة.. تطرفوا لأنهم يعيشون في خواء فكري تارة ورمادية الحقيقة أمام أعينهم تارة أخرى.

ختاما.. رأينا في صفوف نظام التطرف المتدين وغير متدين المثقف وغير المثقف والموهوب وغير الموهوب، شرائح متنوعة يغمض معها سبب التطرف ويصعب تحديد العلاج ولكنه لا يستحيل مع استمرارية البحث والتقصي ومتابعة الخطابات الفكرية والثقافية والإعلامية وما تبثه لصناعة التطرف..

* كاتبة سعودية

monaotib@