-A +A
أسامة يماني
لقد استقرت أوضاع الدول الأوروبية عندما استوعب قادتها أن الرهان الناجح هو الرهان على الشعب، فالشعب هو مصدر السلطات.

ولهذا نجد معظم دساتير العالم تنص على أن الشعب مصدر السلطات، ويُمارسها عن طريق السلطات الثلاث (البرلمانية والتنفيذية والقضائية) وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.


ما حدث في فرنسا من احتجاجات عُرفت باسم «حركة السترات الصفراء» يثبت أن المواطن البسيط عامل مهم لا يجب نسيانه ويجب الاهتمام به.

لم يستوعب هذه الحقيقة قادة لبنان والعراق على وجه التحديد، فلم يهتموا بالركيزة الأساسية وهي شعبهم، بل استقوى بالخارج، فقامت هذه الثورات، والخروج للشارع بهدف تغيير الأوضاع وإسقاط النظام.

يقول المؤرخ «تاين» أحد أبرز مؤرخي الثورة الفرنسية: لقد عم الاستياء جميع الطبقات، فالصغار حاقدون على كبارهم، وكان الأشراف حاقدين على المقربين منهم. وصغار الأمراء حاقدون على كبارهم. وسكان القرى حاقدون على سكان المدن.

والحقيقة أنه لا تكفي مساوئ النظام ولا تحريض الجماهير على نشوب الثورة، إذا لم تُصاحب مبادئها بيئة مناسبة (فساد، فقر، ضعف الحاكمين، وزوال احترام السلطات من النفوس).

هذا ما أوجده وأنتجته سياسات حزب الله وحسن نصر الله في لبنان. وهذا أيضاً نُشاهده في العراق نتيجة السياسات الإيرانية ومليشياتها وأعوانها أعوان الشيطان.

الرهان على الشعوب هو الرهان الكاسب في كل المجالات الداخلية والخارجية؛ ففي السياسات الخارجية نُلاحظ أن التواصل مع الشعوب أو الدول الأخرى عبر كافة العلاقات الإنسانية والثقافية والصحية والتعليمية والتنموية هو أفضل وسيلة لبناء جسور العلاقات القوية بين الشعوب المختلفة.

أخبرني أحد أساطين رجال السلك الدبلوماسي الذين خدموا بإخلاص وحب واقتدار، بأنه حدث تهجير أقلية إسلامية في دولة من الدول الآسيوية إلى مناطق فقيرة تنقُصها الكثير من الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والماء النظيف والسكن المناسب. وقد كان أول عمل قام به هذا المسؤول هو أخذ أسماء القادرين على العمل من شباب، وطلب من إحدى الشركات الوطنية التي تحتاج لأعداد كبيرة من العمالة البسيطة توظيفهم في المشروع الخدمي الوطني بالسعودية.

كان نتيجة هذا العمل أن نهضت المنطقة التي هجرت لها هذه الأقلية وانتعشت معيشتها، ولا يزال أهلها يدينون لهذا البلد بالشكر والامتنان.

الرهان على الشعوب هو الرهان الحقيقي الناجح دائماً وأبداً، وأثبت ذلك التاريخ، والتجارب العملية التي أثبتت نجاحها ونجاعتها في كل مرة.

* كاتب سعودي

osamayamani@

yamani.osama@gmail.com