-A +A
علي فايع
هناك من يرى تراجعاً في المشهد الثقافي السعودي، لأسباب، من أبرزها؛ سيطرة الأكاديميين على هذا المشهد منذ سنوات، ليس لكفاءة كما يرى كثيرون، ولكن لأسباب أخرى ربما نقف على بعضها في هذا المقال.

أنا من هؤلاء الذين يؤمنون بهذا الرأي، ليس لعداوة بيني وبين الأكاديميين، ولا لعقدة نقص كما قد يظنّ بعضنا الآخر، وإنما لقناعات توصلت لها بعد سنوات من الركض الطويل والمتوسط والبطيء في المشهد الثقافي السعودي، والمتابعة لهذا الحراك الأدبي في كل اتجاهاته المحلية!


أما لماذا أميل إلى الاعتقاد بأنّ الأكاديميين كانوا سبباً كبيراً في تراجع المشهد الثقافي السعودي فلأنّهم انحرفوا عن الدور الذي كانوا يقومون به، بعد أن كانت لهم جهود كبيرة تذكر فتشكر، ولعلّ من أهمّ تلك الأدوار الثقافية المهمّة التي نذكرها فنشكر الأكاديميين عليها أنّ جهودهم النقدية كانت تساير جهود الشعراء وكتاب القصّة وتلاحق المبدعين الشباب بالقراءة والتوجيه، لكنّ هذا الدور تضاءل مع الوقت بعد أن شعر الأكاديميون بتقدم الأدباء والمبدعين عليهم، وبروز أسماء أدبية فاقت في شهرتها وحضورها هؤلاء الأكاديميين الذين كانوا ملء السمع والبصر!

مع الوقت تحوّل الأكاديميون المعنيون بالأدب والثقافة من صناعة المبدع إلى منافسته، ومن تقديمه إلى تقديم أنفسهم، فكانوا هم الشعراء والنقاد وكتاب القصّة والروائيين، بل والمتحدثين باسم الأدب والثقافة وراسمي طريق المستقبل كما يعتقد بعضهم!

لقد حوّل الأكاديميون المعنيون بالأدب والثقافة لدينا المؤسسات الثقافية إلى حديقة خلفية لأقسام الأدب التي يعملون فيها بعد أن فشلوا في إحداث أثر داخل هذه الأروقة، لا على مستوى البحوث والدراسات الأكاديمية الرصينة، ولا على مستوى اكتشاف المواهب وتقديمها، فكان الحلّ -كما تصوروا- هو اقتحام المؤسسات الثقافية، لسمعتها الجيدة، وقدرتها على التسويق لهذا وذاك، إضافة إلى انفتاحها وجذبها للإعلام الثقافي، والاعتقاد بأنّ أقسام الأدب في الجامعات تقف عائقاً كبيراً أمام ما يملكه هؤلاء الأكاديميون ويظنّون افتقاد غيرهم له، هذا الاقتحام كان بعقلية الأكاديمي الذي لا يعلم أنه فشل في إحداث أثر داخل الجامعة، ولكنه يعتقد أنه قادر على صناعة مستقبل مختلف للمشهد الثقافي من خلال هذه المؤسسات الثقافية، ومع هذا التصور المسبق الذي سوّق له كثير من الأكاديميين السعوديين تأثر كثير من الأكاديميين العرب الذين يأتون إلى الجامعات السعودية للتعليم، ولكنهم مع الوقت يتحولون إلى نقاد للمشهد الثقافي، وباحثين في الأدب السعودي، ومنظرين له من خلال هذه المؤسسات الثقافية، دون أن يكون لبعضهم اطلاع كافٍ بما في المشهد الثقافي في السعودية، أو حتى قراءة واقعية لهذا المشهد وإنتاجه، فكانت النتيجة أن خدمت هذه المؤسسات الثقافية (الأندية الأدبية، جمعيات الثقافة والفنون) الأكاديمي السعودي وكذلك العربي وقدمته للمشهد الثقافي بشكل كبير وربما مبالغ فيه، وبات همّ بعض الأكاديميين أن يعرفوا طريق المؤسسة الثقافية قبل أن يتعرّفوا على طريق الجامعة!