-A +A
حسين شبكشي
في المواجهات الكبرى تسخر كافة الأدوات لتحقيق أكبر الإنجازات وأهم النتائج. وهذه الأدوات تتكون من الجوانب العسكرية والاقتصادية والإعلامية والاستخباراتية والدبلوماسية. واليوم لا يخفى على أحد المواجهات المستمرة والمتصاعدة من قبل نظام إيران بحق السعودية، وبالتالي التعامل مع هذه المسألة أنها خطر وجودي بات مطلوبا، وعليه لا بد من التفكير بشكل غير تقليدي وخارج الصندوق في تلك المواجهة وخصوصا في الجانب الدبلوماسي. كل فراغ يحدث يتبعه استغلال من الطرف الآخر. وهنا أعني تحديدا الأزمة الدبلوماسية الطويلة جدا بين السعودية وتايلند، وحالة القطيعة بين الدولتين، السعودية تمنع مواطنيها من السفر إلى تايلند، ولا تشجع الاستثمار ولا التجارة معها ولا توجد لجان سياسية مشتركة بنفس درجة الجدية كمثيلاتها من الدول الأخرى. وهذا بسبب مشكلة جريمة سرقة تطورت إلى اغتيال دبلوماسي إلى أزمة دبلوماسية عميقة بين البلدين. وهناك تدخلت إيران على الخط. وبدأت في ملء الفراغ السعودي وزاد الوجود الإيراني هناك، فقفزت نسبة النمو التجاري بين البلدين في القطاع غير النفطي بنسبة تجاوزت 20% بأكثر من مليون طن بقيمة وصلت نصف بليون دولار أمريكي. وتوغلت إيران داخل المجتمعات المسلمة في تايلند لتزرع المجاميع المتطرفة التكفيرية، الخاضعة لتبعية الحرس الثوري في بلد يبلغ تعداد الجالية المسلمة فيه 3 ملايين نسمة أي ما يساوي 4.30% من إجمالي السكان. ولكن تايلند نفسها تغيرت كثيرا، فمن كان يعرف تايلند أنها بلد مشبوه السمعة ومقصد للسياحة غير البريئة، وقديما كانت تأتي منه عمالة جيدة، عليه أن يتعرف على تايلند اليوم. تايلند بلد متنوع الموارد، فهو بلد زراعي بامتياز، وله الريادة والمركز الأول عالميا في إنتاج وتصدير الأرز وكذلك في تعليب سمك التونا والعديد من المنتجات الأخرى. وهو أيضا بلد صناعي كبير من المفروشات للملابس إلى الإلكترونيات والأدوات المنزلية والسيارات، علامات تجارية عالمية مثل بي إم دبليو وجنرال موتور ونيسان وتويوتا وتاتا وهوندا وميتسوبيشي وشارب للإلكترونيات وغيرها جميعها قامت بإنشاء مصانع كبرى لمنتجاتها في تايلند. وتحولت تايلند إلى واحد من أهم 4 مراكز طبية في آسيا (مع اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة) وأصبحت مركزا لعلاج الحالات المعقدة للآلاف من المرضى حول المنطقة. وتطورت جامعاتها وأصبحت من المميزين الأكاديميين بالمعايير العالمية، ولا تزال من أهم الواجهات السياحية حول العالم، وباتت فنادقها ومنتجعاتها وطيرانها مضربا للأمثال في الخدمة والجودة والقيمة. وهي أيضا عضو فعال ومؤثر في المجموعة الاقتصادية الآسيوية المهمة «آسيان». كل ذلك هو في صميم أهداف رؤية 2030 السعودية، وهي أن يكون لها شركاء يضيفون قيمة في العلاقة بين البلدين، والسعودية بحاجة لأن تركز في محيطها الآسيوي العميق لأسباب اقتصادية وسياسية، وملف الخلاف مع تايلند بحاجة ماسة لأن يتم إغلاقه وأن تتم إعادة صياغة العلاقة بعمق وفكر جديد فيه الاستثمار الذي يجذب الشركات التايلندية العملاقة للسوق السعودي ويدخل المنتج السعودي بكافة أشكاله. ملف العلاقة مع تايلند بحاجة لأن يغلق ويعاد فتحه بنظرة جديدة تماما.

* كاتب سعودي


hashobokshi@gmail.com