-A +A
يحيى الامير
يجتهد المحور القطري التركي في إعادة استنساخ مشاهد العام ٢٠١١ هذه المرة في مصر، بعد الفشل الذريع الذي حدث في تعاملهم مع الأحداث في الجزائر وفي تونس وحتى في السودان، يحاولون الآن بناء معادلات جديدة للاضطراب والفوضى في مصر. يكاد ينعدم الإبداع والتطوير لدى المتآمرين على مصر، إذ يتم استخدام ذات الأدوات التي كانت في العام ٢٠١١ من وائل غنيم إلى محمد علي؛ الاعتماد على شخصية مصرية تقيم في الخارج لتكون محورا ونجما للمرحلة، محمد علي الآن تم توظيفه بشكل كامل، وهناك من يحدد له تحركاته ومواقفه بل وما يقول، ثم تتحول تلك المواقف والمقاطع التي يصورها إلى أخبار عاجلة وافتتاحيات للنشرات الإخبارية وتحويلها لتصبح حدثا يتم بثه على أوسع نطاق. هذا هو ذات المشهد الذي كان أحد عوامل تحريك الشارع سابقا.

يتدفق المال القطري اليوم على القيادات التخريبية والقيادات التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين وهو أحد الأدوات التي ساعدت على فوضى الخامس والعشرين من يناير وما تبعها من أزمات في مصر والمنطقة.


التغيير من خلال المظاهرات والميادين كان فكرة كارثية تم إقناع جانب من الشارع العربي بها وتورطت فيها الأنظمة الشمولية والداعمة للإرهاب في المنطقة في تركيا وقطر وإيران، ووجدت تأييدا ودعما من الرئاسة الأمريكية السابقة، ولم تنتج إلا مجموعة من الحروب والدمار الذي لم تعرفه المنطقة من قبل.

مصر كانت المحور الأساس لتنفيذ ذلك المشروع، وأي مؤامرة تستهدف المنطقة إنما تبدأ بمصر لما تمثله من ثقل وموقع محوري ومؤثر، وفشل إحياء روح الربيع العربي في الجزائر والسودان وغيرهما جعلهم يتجهون مرة أخرى إلى مصر إنما بذات الأدوات القديمة.

الثورة وفق النموذج الذي كان في ٢٠١١ لم تعد قابلة لإعادة الإنتاج نهائيا، لأن هذا النموذج للتغير قد اختفى من كل العالم منذ الثورة الفرنسية وعاد إلى منطقتنا وتم تجريبه قبل قرابة عقد من الآن، أثبت هذا النموذج فشله لأنه يؤدي إلى ما يمكن وصفه بديكتاتورية الشارع، اللحظة التي يتحول فيها الشارع إلى صاحب سلطة وتغيير في الواقع، هذه لا علاقة لها بشعارات الحريات والحقوق والتضليل الكاذب، بل هي المدخل الفعلي للفوضى والتغيير إنما يتم من خلال مؤسسات الدولة لا بالثورة عليها ليكون عملا مؤسسيا، إضافة إلى ذلك لا زال الشارع العربي يحمل كثيرا من القيم والأفكار الحادة والمتطرفة والدينية المتشددة، وما إن ينزل إلى الشارع حتى تختفي دعوات الحرية والتنمية إلى دعوات الجهاد وتطبيق الشرعية (حدث هذا حرفيا في ثورات ٢٠١١)، وفي ظل الثورات تبحث عن كل جماعة عن مبرر للشرعية ولا تجد أغلبها سوى الدين لاتخاذه مبررا، وبذلك تدخل فورا في اقتتال ومواجهة مع بقية الجماعات والأحزاب التي سيسعي كل منها للبحث عن مكاسبه، الأخطر من ذلك أنه وفي الشارع العربي بمجرد أن تهتز الدولة ومؤسساتها تطفو على السطح كل أشكال الانقسام المجتمعي والطائفي المذهبي.

الضمانة الوحيدة للاستقرار هي الدولة الحديثة بمؤسساتها وأنظمتها، والحريات لا تزدهر إلا في واقع آمن، والواقع الآمن لا يتحقق بالمظاهرات والنزول إلى الشوارع والميادين.

مصر اليوم أكثر استقرارا وازدهارا منها قبل عشر سنوات من الآن، وتلعب دورا محوريا في استقرار المنطقة، وتحظى بدعم من السعودية والإمارات وغيرهما من بلدان المنطقة المستقرة، وسيشهد المستقبل نقلات نوعية في الاستثمار والإصلاح الاقتصادي، كل ذلك الاستقرار يمثل مشكلة كبرى للأنظمة الإرهابية والراعية للإرهاب في المنطقة، لأنهم يدركون أن كل نجاح واستقرار في مصر والمنطقة يعني فشلا كاملا لكل مشاريعهم ومخططاتهم.

* كاتب سعودي

yameer33@hotmail.com