-A +A
نجيب يماني
حرصت على متابعة الحدث الاستثنائي الكبير الذي عاشه السودان مطلع هذ الأسبوع، بتوقيع وثيقة الانتقال للسلطة المدنية، من قبل طرفي الاتفاقية؛ المجلس العسكري الانتقالي السوداني وقوى الحرية والتغيير، ورغم امتداد مراسيم احتفال التوقيع لساعات عديدة؛ إلا أنني أبقيت نفسي في مقعد المتابعة، مستجليًا ومستمتعًا بما يدور أمامي من أحداث، وكلمات حملت البشارة للسودان بغد أفضل، ومستقبل مشرق، لا شك أنه يستحقه، وهو جدير به.

وما كان حرصي إلا من محبة خالصة أكنّها لـ«الزول» السوداني، عبّرت عنها في مقال سابق، ولا أملّ من تكرارها في كل مناسبة، لقناعتي الراسخة أن «النفس السودانية» حرية منا بالتقدير والاحترام، لما تنطوي عليها من خصال وفضائل لمسناها وعايشناها وخبرناها رأي عين ومعايشة واقع، وليس سماعًا ونقلاً، فما زادنا ما شهدناه ولمسناه من إخوتنا السودانيين الأفاضل الذين عاشوا ويعيشون بيننا إلا حبًّا لهم، وتقديرًا لسمو أنفسهم، ورفيع أخلاقهم.


لقد ظللت أعايش الأحداث التي جرت في السودان منذ اندلاع ثورته في ديسمبر من العام 2018، وكما كان يدهشني هؤلاء «السمر الميامين»، وهو يعبرون عن رؤاهم وأشواقهم بكل شجاعة وقوّة، متمسكين في ثورتهم بخيار «السلمية» رغم ما جابهوه من طغيان وعسف وعنف، راحت ضحيته أنفس عزيزة، بما رسم صورة قاتمة للنظام السابق، تقابلها صورة ناصعة ومشرقة لعزيمة ومضاء لم يثنهم الرصاص ولا الموت من المُضي إلى غاياتهم التي ينشدونها، والتي كللوها بالنصر المؤزر، واقتلاع نظام الجبهة الإسلامية والإخوان المسلمين، الذي جثم على صدر السودان لثلاثة عقود عجاف، ذاق فيها السودان، إنسانًا وأرضًا وحضارة، الذل والهوان..

وخلوصًا من مربع «البكاء على اللبن المسكوب»، والانغلاق في دوائر الأسف واجترار المرارات، فإن السودان مقبل في فترته الانتقالية على عهد يستلزم مضاعفة الجهود، لردم الهوة التي أحدثها نظام الإنقاذ البائد، ويخالجني شعور إيجابي وتفاؤل حيال مستقبل السودان، قياسًا لما لمسته من روح وثّابة وعزم أكيد، طليعته الشباب، فقد كانت كلمة ممثل قوى الحرية والتغيير في الحفل، التي ألقاها الدكتور محمد ناجي الأصم، قوية ومبشرة، وكاشفة عن وعي عميق لدى شريحة الشباب التي يمثلها هذا الشباب المثير للإعجاب، كما أن كلمة رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول عبدالفتّاح البرهان هي الأخرى تماهت مع أجواء التفاؤل والنظر للمستقبل، والحث على العمل وإدراك المهام الجسام التي تنتظر الجميع في مقبل الأيام.. فطرفا الاتفاق يدركان جيدًا أنهما ماضيان في طريق صعب وشاق ومحاط بأشواق كثيرة، تتطلب الصبر، والعمل الدؤوب، ولهذا لعمري أول مؤشرات النجاح، حين يدرك الجميع حجم التحدي، ومن ثم رسم الخطط والإستراتيجيات الكفيلة بإعادة السودان مشرقًا كما كان، كما أن لرمزية الحضور العربي والإفريقي والأوروبي في مراسم التوقيع شهودا عليه دلالة مهمة في حراسة نتائج هذه الثورة المتوجة بهذا الاتفاق العظيم.. ومن هذا المنطلق جاء حضور المملكة في ذلك الحفل تأكيدًا على موقفها الداعم والمساند للسودان في كل مواقفه وخياراته التي يتخذها، وداعمًا لشعبه في طريق تحقيق رفاهيته وتقدمه، ولعل هذا الموقف ما عبرت عنه كلمات الأستاذ الجبير، عبر حسابه في تويتر، خير تعبير، بقوله: «المملكة كانت ولا زالت مع كل ما يضمن للسودان أمنه واستقراره ومساهمتها الفاعلة في التوصل لاتفاق الشراكة الموقعة بين الأطراف السودانية ودعمها الجهود التي قادتها دولة إثيوبيا الفيدرالية والاتحاد الإفريقي امتداداً لهذا النهج».

وإشارته كذلك إلى أن «اتفاق السودان هو اللبنة الأولى التي ستسهم في بناء دولة متمكنة أمنياً واقتصادياً»، وأن «هذا الاتفاق سيسهم في تحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق».

وجاء حرص المملكة على ضرورة حفاظ أهل السودان على ثورتهم، وما تحقق لهم بهذا الاتفاق، في سياق تأكيد الجبير على أن «المملكة تتطلع لأن يعمل السودانيون على تحصين اتفاق الشراكة المبرم بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بما يكفي السودان شر التدخلات الخارجية التي تستهدف استقراره، مؤكدًا أن استقرار السودان هو جزء مهم من استقرار المنطقة ويسهم في تحقيق السلم والأمن الدوليين»..

إن هذه الإشارات المهمة من قبل المملكة، تضم في أطوائها التأييد، والمساندة، والدعم السعودي، سابقًا ولاحقًا، وليس ذلك بالموقف الجديد أو المستحدث للمملكة حيال السودان، وكافة الدول العربية، فقد ظلت قيادتنا الرشيدة على مر الحقب والعهود راعية لمصالح الشعوب العربية، مساندة لدولها، وداعمة لخيارتها في العيش الكريم، والتقدم والرفاهية..

نبارك لشعب السودان هذا الإنجاز والخطوة الأولى نحو تحقيق مستقبلهم بشعاره البراق «حرية سلام وعدالة.. والمدنية خيار الشعب».

* كاتب سعودي