-A +A
عبدالرحمن الطريري
في ما سمي «خطاب الثبات»، والذي ألقاه الشيخ تميم بعد أسابيع من مقاطعة دول الرباعية لقطر، ظهر ليتحدث وقد أبرز خلفه صورة جده الشيخ جاسم بن محمد الذي ألحق الهزيمة بالعثمانيين في معركة الوجبة 1893، والمتوفى في العام 1913، والذي يعتبر المؤسس الحقيقي لدولة قطر.
بين جاسم وتميم يبدو منعطف قطر، بين الجد الذي ناضل لإخراج المحتل التركي، والحفيد الذي جلب القاعدة تلو الأخرى من تركيا، بالإضافة لقاعدتين أمريكيتين، وقاعدة إيرانية أعلنت عنها قناة العالم في 2017، ثم عادت لتنكر وجودها، في ما يبدو أنه سعي لحفظ ماء وجه الدوحة.
وتعاني بعض الدول من «متلازمة الحنين للمستعمر»، وتشعر بأن عودته يمثل إدارة أفضل لمصالحها وحماية من أعداء محتملين، وهو ما يشابه «متلازمة ستوكهولم» والتي تصيب الرهائن، حيث يتعلقون بالخاطفين ويدافعون عنهم، وتكون لديهم مشاعر سلبية من الأصدقاء والعائلة.
قصة هذا الحنين بدأت من أبريل 2014، حيث وقعت تركيا وقطر اتفاقية عسكرية، بعد شهر من سحب السفراء من قطر، رغم توقيع الشيخ تميم على اتفاق الرياض 2013، والاتفاق المكمل في 2014، مما يعني أنها كانت تعتبر العلاقات العسكرية مع المحتل السابق «تركيا»، سبيلا لكي تتنصل مع ما التزمت به من إيقاف دعم الإرهاب والتدخل في شؤون دول المنطقة لزعزعة استقرارها.
وعلى مستوى السيادة التي طالما تغنت بها الدوحة، كمبرر لعدم قبول شروط الرباعية والتوقف عن دعم الإرهاب، جاء الإعلان عن القاعدة التركية في قطر عبر الإعلام التركي وليس القطري، حيث قالت صحيفة حرييت التركية إن القاعدة الجديدة سيفتتحها الرئيس التركي مع أمير قطر في الخريف المقبل، وحتى صياغة الخبر تشير لأمير قطر كضيف شرف يحضر مناسبة في دولة أخرى.
الرغبة التركية في التمدد والأحلام التوسعية المشابهة لإيران، موجودة لدى الأتراك وانتعشت بمعية قطر في الربيع العربي، ولكن هذا النفوذ يخسر يوما بعد يوم، وآخر الخسائر طرد الأتراك من جزيرة سواكن السودانية وسقوط البشير، وهي قاعدة كانت تستهدف تطويق الخليج، بالإضافة إلى الخسارة العظمى في مصر، بعد الثورة التي أسقطت محمد مرسي.
وفي ليبيا التي ترددت تركيا في دعم ثورتها، لوجود استثمارات مع القذافي بقيمة 4 مليارات دولار، لا زالت اليوم ترسل السفن المحملة بالأسلحة، وتزود الميليشيات بالطائرات المسيرة، أملا في تحقيق نفوذ في ليبيا الغنية، لتعويض الوضع الاقتصادي السيئ، ولتحقيق نفوذ على البحر المتوسط، مما يجعلها طرف تفاوض على مستقبل ليبيا مع الأوروبيين، ولكن مجريات الأحداث تشير إلى فشل الأطراف المدعومة من تركيا في ليبيا.
اليوم القاعدة التركية العسكرية الثانية في قطر، لا يجب النظر لها كحدث عسكري محض هدفه حماية قطر، بل هي بروبغندا إعلامية وقناة دعم اقتصادي لأردوغان، ضمن مليارات الدعم التي قدمتها قطر منذ انهيار الليرة التركية.
هذا التواجد العسكري خطره الحقيقي على قطر دون غيرها، ليس على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل، حيث لن يكون قرار خروج الجنود الأتراك بعد سنوات بيد الدوحة، وسيؤثر هذا التواجد العسكري على القرار السياسي للدوحة بالنتيجة.
والتاريخ يقول إن نزاع الشيخ جاسم مع العثمانيين، نشب عن طريق قرار الباب العالي بتعيين مسؤولين عثمانيين بما في ذلك إداريون في الزبارة والوكرة وخور العديد، وقرار العثمانيين يإنشاء جمرك في الدوحة وكذلك تعزيز الحامية العثمانية في قطر مناكفة للوجود الإنجليزي في المنطقة، مما دفع الشيخ جاسم لقتال العثمانيين وطردهم من قطر.. ولكن ما أبعد اليوم عن البارحة.
* كاتب سعودي
aAltrairi@
me@aaltrairi.com