-A +A
نورا المطيري
ليلة العيد، وبعد أن تجاهل ظريف عدة مكالمات من رئيسه روحاني، بداعي انشغاله مع الأسرة، قرع الباب بقوة، الحرس الثوري يأمره أن يحضر فورا إلى مكتب روحاني، ارتدى البزة الرسمية، وقال إنه سيذهب لوحده !

عاجله روحاني صارخا: لماذا تتجاهل مكالماتي، لا تتحجج بالعيد، أنت تعلم عقل خامنئي، هل تريد دفعه إلى الجنون وارتكاب الحماقات بحقي وحقك؟ اجلس.


جلس ظريف ممتعضا، فهو يعرف ماذا يريدون، لا شك أن هناك مهمة جديدة خلال العيد، فهم لا يعرفون عرفة ولا العيد ولم يسمعوا به، قال لنفسه «ليتهم قبلوا استقالتي قبل شهور، لكنت الآن حرا ! ألا يكفيهم أن أمريكا تفرض عليّ العقوبات، وأصبحت مطاردا وكل تحركاتي مرصودة؟!؟»

جلس روحاني وهو يتودد لظريف، قال: لديهم رسالة إلى تميم قطر، وطلب خامنئي أن تحملها إليه غدا. وقف ظريف ونظر إلى روحاني متشككا ! قال: كيف غدا، غدا العيد، هل تريدني أن أذهب إلى هذا الطفل المدلل يوم العيد، ومن هي قطر حتى أترك أسرتي وعائلتي لزيارته في العيد، وتقديم التهنئة له!؟

قام روحاني واقترب منه، همس له: أنت لن تقدم التهنئة لتميم، أنت تحمل أوامر وتحذيرات بشأن الانضمام لتحالف الحارس، كما فهمت، وتصل الدوحة كزعيم، وتستقبل فيها كبطل، وسيتفرغ تميم لاستقبالك، وتتفرغ حكومة الدوحة للاحتفاء بك، الخارجية القطرية ستعقد لك مؤتمرا صحفيا، قناة الجزيرة ستقف على قدم واحدة لإجراء مقابلة حصرية معك، وستعود منهم بمبلغ خمسة مليارات ريال، ها ماذا قلت؟

حكّ ظريف رأسه بإصبعه، إلتوى شمالا نحو رئيسه روحاني، قال: والله إنكم تضيعون الوقت مع هذه الدويلة الفاشلة، لن يدفعوا، فعلوا ذلك بتركيا وسيفعلونها معكم، يقدمون الوعود، الواحدة تلو الأخرى، ولكن العجز في موازنتهم وصناديقهم السيادية، والدفعات الكثيرة لأمريكا، تمنعهم من دفع ريال واحد، لكن حسنا، هل يمكن تأجيل ذلك لثالث أيام العيد، أو للثاني على الأقل؟

نفخ روحاني أنفاسه بتوتر، اقترب من ظريف أكثر: طبعا لا، إذا لم تذهب غدا، فإنهم لن يدفعوا، يريد تميم مقابل تنفيذ كل الأوامر التي ستحملها له أن يحظى بزيارة أول أيام العيد ليحفظ ماء وجهه من عزلة قطر، أنت تعلم أن القفص الذي يقطن فيه، أو الشبك كما يطلق عليه السعوديون، يجعله وحيدا منبوذا، وسيدفع مقابل فك تلك العزلة أمام شعبه والعالم، حيث ستتناقل وكالات الأنباء العالمية زيارتك له، وسيبدو في أحسن أحواله.

حسنا، قال ظريف، وأضاف: لم تقنعني، ولكني سأفعل ما تريده، مع أنك تعرف أنني أهم من تميم ومن قطر كلها، ومع ذلك، فلا بأس، أين هي الرسالة؟ أجاب روحاني: كتبتها وحدة استخبارات الحرس الثوري، وتصرّ وزارة الاستخبارات على قراءتها قبل عرضها على خامنئي، غدا عصرا سيسلمونها لك في الطائرة، وإياك أن تفتحها، وهذا ليس رأيي بل ما يريده الحرس، وأنا كذلك لن أقرأها، ولا أريد، هل نسيت أنهم يتهمونني بالجاسوسية، كل عام وأنت بخير !

في الصباح اتصل الأمير المرعوب تميم بروحاني، ليطمئن على الزيارة التي يحلم بها، أجاب روحاني بأن ظريف سيحضر مساء، وأنه يحمل في جعبته رسالة من الاستخبارات الإيرانية، عليه تنفيذها بدقة، خاصة نقل الأموال من الدوحة إلى طهران، تمتم تميم بالموافقة، وقفز فرحا، سيحظى اليوم بزيارة رسمية من طهران، إنه خبر سيفرح كل القطريين.

جلس ظريف في الطائرة يقلب الرسالة التي يحملها لتميم، لم يخطر بباله فتحها، كان يعلم محتواها، مجرد مجموعة من التوجيهات الاستخبارية لبث الفتن في السعودية والإمارات واليمن وتحديدا عدن، عن طريق الجزيرة، ولا شك أنها تضم مخططا استخباريا لنقل الخمسة مليارات ريال من الدوحة إلى طهران، بالعملة الصعبة، دون ملاحظة أحد.. ابتسم ساخرا بحاله يوم العيد وحال دولته التي تعمل الآن بطريقة العصابات والمافيات، ووصل الدوحة وهو ما يزال يرسم ذات الابتسامة الساخرة.

* روائية وباحثة سياسية