-A +A
مي خالد
في الأسبوع الماضي حكينا قصة المزارع صاحب الجرة والملك الذي فشل سلطانه أمام رغبات البشر.

وفي حكاية أخرى معاصرة يقال إن مستثمرا كبيرا يقف في أعلى قائمة فوربس للأثرياء كان يقضي إجازة قصيرة تتخللها اجتماعات عمل سريعة لاحظ صيادا ماهرا يخرج بقاربه متوسط الحجم فجرا ويعود بصيد وفير في منتصف النهار، يبيعه ويتناول وجبة جيدة على الغداء ثم يقضي بقية المساء في عزف الغيتار ومشاهدة الغروب.


في إحدى هذه الأمسيات صادف المستثمر الكبير الصياد الماهر وتوجه له باستشارة مجانية بعد أن امتدح قدرته على الصيد.

قال له لو ذهبت في جولتين للصيد يوميا وبعت صيدك في فترة وجيزة ستشتري قاربا أكبر من قاربك.

فسأله الصياد: ماذا أفعل بالقارب الأكبر؟

أجاب المستثمر: تصطاد سمكا أكثر وتبيعه فيزيد دخلك وتتحول لأكبر تاجر في هذه المنطقة وتعمل جميع القوارب تحت إمرتك.

سأله الصياد ثم ماذا؟

فأخبره المستثمر بحماس حينها ستجد وقتا أطول للاستمتاع في المساء!.

لكن هذا ما يفعله الصياد الآن ولا يحتاج لهذه الدورة الطويلة من العمل والكفاح والقلق وكسب الأموال.

إنني حين أنظر خلفي، في سنوات عمري الماضية أدرك أن السعادة ما هي إلا سعادات صغرى، كتناول طبق من صنع أمي برفقة أشقائي وشقيقاتي، كمشاهدة عمل فني ماتع أو حضور مسرحية ساخرة مع الصديقات، أو الاجتماع حول مدفئة الشتاء ورواية بعض قصص الجن والرعب أو النكت. هذه المتع الصغيرة الرائعة هي السعادة في جوهرها البسيط، إضافة إلى القيم الأخلاقية كالتسامح الأبدي وتفهم دوافع الناس، والتصالح مع شرورهم الصغرى والابتسام.

أغلب الناس في مجتمعاتنا المادية يربط سعادته بقدرته الشرائية وطاقته على الاستهلاك والشراء والسفر.

العجيب أنه في بحث أجري مؤخرا على مجموعة من الأثرياء الأمريكان أفاد ١٣% منهم فقط بأنهم يشعرون بالثراء والسعادة. والأعجب أن دراسة أخرى وجدت أنه كلما زاد ثراء جارك قلت احتمال سعادتك!

ونحن الآن لا نراقب الجيران فقط، فالسوشيال ميديا تقوم بمهمة مراقبة سابع جار وأكثر. ومن راقب الناس مات...