-A +A
عبداللطيف الضويحي
إن الآثار السلبية والشروخ العميقة التي أحدثتها وتسببتْ بها وسائل التواصل الاجتماعي بين كثير من الشعوب والدول في المنطقة العربية وخارجها تتجاوز بكثير تلك الآثار السلبية التي خلفتها وتخلفها الحروب والصراعات بين الشعوب والدول عبر تاريخ الدول والشعوب.

والسبب في تصوري ناتج عن صعوبة حصر الخلاف بين طرفين حين ينشب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في طرفي الموضوع أو الخلاف، وتدخل أطرف ثالثة ورابعة وهذا يعيق حصر النقاش في دوائر مغلقة ويصعب السيطرة عليه في ظروف صحية.


لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحات للتراشق الإعلامي والسياسي والحروب الثقافية بين زعماء الدول، وكبار مسؤوليها، ناهيك عن شعوب وأفراد تلك الدول التي لا يعرف أغلبهم بروتوكول التعاملات والتخاطبات في كل شأن وعلى كل مستوى، وبشكل ينذر بانتهاء دور القنوات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية الرسمية والقنوات المتخصصة في مستقبل العلاقات الدولية. بل إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة للصراعات والتجاذبات داخل الدولة الواحدة وبين فئات الشعب الواحد، بل إن ما تحققه وسائل التواصل الاجتماعي على الصعيد الرقابي يفوق بكثير ما تحققه أجهزة الرقابة في بعض الدول سواء في الأداء أو في مراقبة المال العام أو الممارسات المهنية وهذا جانب إيجابي يحسب لوسائل التواص الاجتماعي.

في هكذا ظروف، أصبحنا في اليوم الواحد ننام على عشرات الخلافات والصراعات بين كل دولة وأخرى ونمسي على مثلها من الصراعات والتوترات بين شعوب وأخرى. كثير من تلك الخلافات أصبحت تتجاوز زمنها وتتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، فقد شهدت ساحات تويتر وبعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً ولاتزال تشهد العديد من الصراعات والتوترات المؤلمة والخطيرة تقريباً بين كل دولة عربية ودولة عربية أخرى وبين كل شعب عربي وشعب عربي آخر، حروب كثيراً ما تبدأ، ويتعذر إيقافها أو توجيهها والتحكم بها.

كثير من تلك الصراعات يتم توظيفها لتحقيق مواقف سياسية لهذا البلد أو ذاك أو للنيل من هذا المحور أو ذاك موقف سياسي، والدول والشعوب العربية والمسلمة بطبيعة الحال ليست استثناءً من هذه القاعدة تحت هذه الظروف المتفاقمة سوءا بين كافة الشعوب، وفي مناخات التواصل الاجتماعي التي تم من خلالها شيطنة كافة الشعوب والحكومات، علينا أن نبحث عن طريقة تستعيد بها شعوبنا ودولنا العربية والإسلامية صورتها الحقيقية المعروفة عنها أصالةً وقيماً وأخلاقاً ومروءةً و شهامةً، بعيداً عن المزايدات خلف لوحة المفاتيح ومئات الأسماء المستعارة وبعض الأسماء الجاهلة والنشاز، وذلك خدمةً لشعوبنا ودولنا.

من هنا تأتي أهمية الحج والحجاج في تعاملهم المباشر بعضهم مع بعض وخاصة في تعاملهم مع مئات آلاف السعوديين من مدنيين وعسكريين ومتطوعين رجالاً ونساءً في المشاعر المقدسة وخارجها، بصور شاهدها العالم ولمسها الحجاج مباشرة تثبت لهم أن الشعب السعودي شعب أصيل في مروءته وشهامته وأخلاقه وقيمه، يضرب صغاره وكباره، نساءه ورجاله أروع الأمثلة التي تنسف كل الصور الشيطانية التي أراد مروجوها تحقيق أهداف سياسية ونقاط تسجل لهؤلاء أو أولئك لحساب موقف هناك أو دولة هنا.

لقد شاهد العالم تلك الطبيبة السعودية وهي تجري بين المرضى في أحد المشفيات في الحج وبالتأكيد لمس الحجاج ذلك.

لقد شاهد العالم أولئك الجنود الذين يحملون حاجاً مسناً على أكتافهم، وشاهد العالم متطوعين سعوديين يرشون رذاذا من الماء لتخفيف الحر عن تلك المسنة وهي محمولة على أكتاف جنود سعوديين ينقلونها مسافات طويلة.

إنها الصورة الحقيقية لهذا المجتمع الأصيل وأفراده ومكوناته التي تجلت في حج هذا العام والتي لا يغيرها كل من حاول تزوير هذه الصورة أو استبدالها في وسائل التواصل الاجتماعي. ولسوف يأتي اليوم الذي يعي فيه الناس ويفيقون على أن القيم العربية في هذا الشعب وكل الشعوب العزبية هي أعمق وأكثر تجذراً من كل شيطنة عابرة.

* كاتب سعودي