-A +A
مي خالد
السعادة تأتي من تحقق الطموح وتلبية الرغبات بلا أدنى شك، وهذا يعني أن تعاستك مرتهنة بنوع توقعاتك وآمالك في الحياة، وهل يمكنك التحكم بها؟ وليس بتفكيرك الإيجابي كما يروج باعة الوهم وعبّاد الذات.

المشكلة التي تسبب النقص في منسوب السعادة هي الرغبات الإنسانية التي لا حد لها، وقديما قيل لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب. وإن كنت أجزم أنه حتى التراب لن يملأ الجرة التي كان يحملها مزارع في سالف العصر والأوان، يسير بها مشدوها بين الناس حتى قيل إن الملك استوقفه وسأله عن أمر هذه الجرة فأخبره بأن هذه الجرة لا تمتلئ مهما وضعت فيها من ماء وطعام أو ما شابهه. فقهقه الملك المزهو بسلطانه وصرخ بين شعبه وجنوده موجها الحديث للمزارع: فلنملأها بالدنانير.


جلب الحاجب صرة كبيرة من الدنانير ووضعها داخل الجرة لكنها امتصتها وابتلعت آخر دينار وسط الرنين المرتفع وضجيج الجماهير المندهشة.

فأمر الملك بصرة أكبر وامتصتها وهو يتصبب عرقا ثم وضع جميع ما وجده في خزانة المُلك من أموال وجواهر دون أن يبقى في الجرة أثر لها.

حينها توجه الملك لسؤال الحكيم عن سر هذه الجرة السحرية. فقال الحكيم بوقار: هذه الجرة مصنوعة من الفخار ورغبات البشر.

إن الرغبات والطموح البشري لا يتوقف أو يقتنع بما هو له، والسعيد من أحاط رغباته بسياج من إمكاناته وخططه وفق قدراته ثم سعى لتحقيقها بإصرار. ومع إصراره واجتهاده لا ينسى الإيمان بأن نتيجة سعيه هو ما كتبه الله له.

هناك مؤسسات عالمية تقوم بصناعة السعادة. الجانب الأمريكي منها فقط يكلف ١١مليار دولار. وتتغذى هذه المؤسسات كما هو معلوم على «التفكير الإيجابي».

في موقع أمازون لوحده هناك خمسون ألف كتاب تحت كلمة سعادة.

لكن النتيجة أن البشرية ليست سعيدة. لسنا سعداء حيث يبدو ببساطة أن البشر ليسوا مصممين أو مبرمجين على السعادة ولا الشعور بالراحة أو السلام الكامل على الأرض. فهي مشاعر غير دنيوية وهم في فترة اختبار.