-A +A
حسين شبكشي
في المواقف المحورية التي يتحتم فيها وداع الكبار يدرك الإنسان وقتها ويتعرف على قيمتهم ومكانتهم بشكل واضح وأكيد. ودع السعوديون بالأمس الأمير بندر بن عبدالعزيز بعد أن وافاه الأجل المحتوم بعد عمر تجاوز فيه التسعين عاما وذلك متأثرا بمتاعب صحية دهمت الراحل الكبير في الفترة الأخيرة، هو الابن العاشر بالترتيب لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وأكبر الأمراء سنا قبل رحيله رحمه الله. رحل أمير الفضائل، كما كان يطلق عليه، بعد حياة طويلة عرف فيها بالصلاح والعطاء والحكمة. لا أعلم تحديدا كم كان عمري عندما تعرفت على الأمير الراحل، ولكني أعرفه بشكل أو بآخر طيلة حياتي، كان دوما يشاد به ويذكر بالخير كأخ مثالي وأب مثالي وعم مثالي وإنسان مثالي. كان محبا للخير والبر وإصلاح ذات البين، لا يرغب في الظهور ويفضل العيش بهدوء، كانت له حظوة كبيرة واستثنائية ومكانة خاصة ومميزة عند إخوانه جميعا بلا استثناء، وخصوصا عند خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي كان دوما ما يحرص على التواصل معه، ولم ينقطع عن زيارته للسؤال عنه والاطمئنان عليه. كان محبا للقرآن، رفيقا له في وحدته، مرافقا له في خلوته. يترك اليوم بعد رحيله عن دنيانا ذرية رائعة من الرجال من أبنائه، والذين باتوا مضربا للأمثال في الالتزام بالمسؤولية والجدية والتواضع وحسن الخلق وكرم النفس، أجمع كل من عرفهم على محبتهم وعلى احترامهم، ولذلك كانوا جديرين بالمسؤوليات التي تولوها وأحسنوا فيها ونالوا الثقة والاحترام ولا يزالون، يوما ما إذا ما قدر للشهود الذين حضروا الكثير من المواقف المهمة للراحل الكبير ستكون القصص ملهمة ورائعة. لأبناء المؤسس الملك عبدالعزيز مكانة خاصة جدا في نفوس السعوديين، والأمير بندر كانت له معزة ومكانة خاصة لكل من عرفه وتعامل معه واجتمع به. كان مقلا في الظهور وبسيطا في الحديث، ولكن كان دوما لكلماته مبلغ الحكمة لمن يستمع إليها نتاج خبرة العمر والسنوات والمواقف. سيرة طيبة ومحبة الناس وذرية صالحة تدعو له بالرحمة والمغفرة والجنة والنعيم، هذا هو الإرث الحقيقي والفريد الذي تركه الراحل الكبير، وهو إرث جميل ومستحق جاء بعد مسيرة طويلة من العمل الصالح والعيش الصالح. رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. حالة حزن تعم حينما يرحل الكبار لأن مكانهم لا يعوض. الموت حق. إنا لله وإنا إليه راجعون.

* كاتب سعودي