-A +A
حسين شبكشي
هناك شخصيات عظيمة حفرت أسماءها في تاريخ مسيرة التعليم بالسعودية بكل فخر واعتزاز، شخصيات استثنائية مثل محمد فدا، عثمان الصالح، عبدالرحمن التونسي، فؤاد أبو الخير، حسن آل الشيخ، محمد الرشيد، ومن الممكن أيضاً إضافة اسم السيدة سيسيل رشدي، التي رحلت عن دنيانا إليهم. رحلت سيسيل رشدي عن عمر يناهز 92 عاماً، قضت جله ومعظمه مديرة عامة لأهم صرح تعليمي للبنات في السعودية: مدارس دار الحنان التي أشرفت عليها وحولتها لصرح تعليمي كان مفخرة للبلاد. تبنت أسلوباً ومنهجاً فريداً ومميزاً، اعتمدت فيه على التربية قبل التعليم. عرفت بالصرامة والشدة والجدية، ومع ذلك كان الكل يستشهد بأسلوبها الفعال والمميز. تحملت حملات عنيفة من التشكيك والتخوين في حق دينها ووطنيتها، وحملات عنصرية لا تنتهي ولا تتوقف، ولكنها في النهاية نجحت بامتياز، وأسست صرحاً تعليمياً مرموقاً. نالت دعماً غير مسبوق من الملكة عفت الثنيان، حرم الملك فيصل رحمه الله تعالى ومن بعدها بناتها الأميرات، وكبر الصرح ولم يتغير نهج سيسيل رشدي، عندما سألتها ذات لقاء جمعني بها بعد اعتزالها التعليم والعمل الإداري عن سر صرامتها وشدتها، كانت تقول لي أنا لم أكن أدير مدرسة لأجل تعليم البنات، ولكن كنا نؤهل أجيالاً من الزوجات والأمهات والبنات وسيدات الأعمال، وكل واحدة منهن سيكون أمامها تحدٍّ غير مسبوق يجب أن تكون مستعدة له. كان من الطبيعي أن يلقى خبر رحيلها حزناً عارماً وسط المجتمع النسائي، ولكن المدهش تفاعل الرجال مع الخبر وترحمهم على السيدة الفاضلة، وهم يتذكرون فضلها في تعليم وتربية أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وزوجاتهم. ومن نافلة القول المطالبة بتسمية شارع أو مبنى رئيسي في صرح تعليمي باسمها، ولكن الأهم أن تدرس سيرتها وسيرة الآخرين الذين ذكرتهم كعلامات ناجحة ومميزة في مسيرة التعليم السعودي في المناهج السعودية نفسها تخليداً لذكراهم وبناء قدوات اجتماعية واعترافاً بالجميل. رحم الله سيسيل رشدي، و«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

* كاتب سعودي