-A +A
عبدالله صادق دحلان
جهود ضخمة تُبذل من قبل وزارة التجارة والاستثمار لدعم استقطاب الاستثمارات الأجنبية للمملكة وذلك لأهداف عديدة من أهمها خلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي. وأجزم أن هذه المشاريع التنموية الضخمة سوف تسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي والكلي وستكون عوائدها الاقتصادية على جميع الأنشطة التجارية والخدمية والصناعية في المملكة، بل على تنمية المناطق الصحراوية التي تنشأ فيها مثل مشروع نيوم شمال البحر الأحمر ومشروع القدية على أطراف العاصمة الرياض. كما أن لوزارة التجارة والاستثمار دوراً كبيراً في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهي في وجهة نظري القاعدة الأساسية لأي اقتصاد في العالم، وتعتبر أحد أهم المنافذ لتشغيل أكبر عدد ممكن من الشباب السعودي للعمل لحسابهم الخاص، والحقيقة هناك تطور كبير في الأنظمة والقوانين واللوائح الداعمة لإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما تعددت وسائل الإقراض المالي لهذه المؤسسات، إلا أنه رغم هذه الجهود الضخمة التي تبذلها وزارة التجارة والاستثمار وغيرها من الوزارات لدعم الاستثمار على جميع المستويات تبرز في الجانب الآخر ظواهر سلبية تحتاج إلى دراسات وأبحاث دقيقة ومحلية لمعرفة أسبابها ووسائل معالجتها ودعمها، ومن هذه الظواهر ظاهرة ارتفاع نسبة خروج بعض المؤسسات الصغيرة من سوق العمل وعلى وجه الخصوص في السنوات الأولى من إنشائها. ويتجه أصحابها بعد إقفالها إلى البحث عن وظائف ويترك بعضهم التزامات مالية خلفهم وينضم إلى نسب البطالة المرتفعة، وتتعدد الأسباب فيرى البعض أن كل ما يقال عن دعم المؤسسات الصغيرة على أرض الواقع غير ملموس ويعتبرها البعض دعاية إعلامية، ويرى الآخرون أن الإدارة العليا صادقة في توجهاتها ولكن الإدارة التنفيذية ما زالت بيروقراطية. ويرى البعض الآخر أنه في الوقت الذي تتجه فيه وزارة التجارة والاستثمار لدعم المؤسسات الصغيرة تفرض بعض من الجهات الرسمية الأخرى رسوما متعددة ترهق ميزانية المؤسسات الصغيرة حتى تمثل هذه الرسوم أكثر من نصف مصاريفهم التشغيلية، ويرى البعض منهم أنهم يعملون فقط لتجميع قيمة الرسوم لدفعها. وفي جانب الاستثمارات المتوسطة وما فوق المتوسطة ساهمت البنوك السعودية في دعم هذه المنشآت من خلال تمويلها بضمانات عينية بعضها أراضٍ تم تقييمها آنذلك بطرق احترافية وعلى أساسها تم التمويل عندما كانت الظروف الاقتصادية أفضل وكانت الضمانات آنذاك تتمثل بالرهن العقاري (نقل ملكية العين الضامنة لصالح شركة تملكها البنوك أو أشخاص أعضاء في البنوك أو رهن أسهم يمتلكها المقترضون) ويتم التمويل على هيئة قروض تجارية أو مرابحة إسلامية ولكن بضمانات عينية؛ أراضٍ أو مبانٍ أو أسهم. وعند اختلاف الظروف الاقتصادية رجعت البنوك إلى عملائها من المقترضين تطلب منهم إعادة تقييم العين المرهونة ومن المؤكد نتيجة اختلاف الظرف الاقتصادي تنخفض أسعار الأراضي والمباني والأسهم. وعند إعادة تقييمها تنخفض قيمة الضمانات وتطلب البنوك من عملائها تغطية فرق قيمة التقييم. وهنا ستكون كارثة على بعض العملاء الذين تم إعادة تقييم ضماناتهم إلى النصف أو أقل. وبممارسة البنوك ضغوطها على بعض العملاء يلجأ بعض العملاء إلى بيع عقاراتهم بأقل الأسعار وبخسائر كبيرة لمواجهة ضغط البنوك. ومن وجهة نظري الشخصية أنه على البنوك تقدير الظروف الاقتصادية ولاسيما أن حركة الدورة الاقتصاد في ارتفاع وانخفاض في كل عدد من السنوات، وأن سنوات الكساد لها أسباب كثيرة منها الحروب والكوارث الاقتصادية والاضطرابات الشعبية والسياسية وانخفاض أسعار البترول بالتالي تتأثر إيرادات العديد من الدول المنتجة للبترول التي تعتمد عليه أساساً للدخل وعندها ينبغي أن تتدخل الدول والبنوك المركزية لدعم موقف البنوك ودفع البنوك إلى التعاون مع عملائها لتجاوز الأزمة أو لضخ مزيد من التمويل. ولكن للأسف تلجأ بعض البنوك في فترات الركود الاقتصادي إلى ضمان حقوقها أولاً دون تقدير الظروف. وهنا تحدث الانكسارات والإفلاسات للعديد من المؤسسات والشركات ورجال الأعمال. وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح على مؤسسة النقد السعودي ووزارة التجارة والاستثمار التنسيق مع البنوك لتكون داعمة وليست هادمة لعملائها في الظروف الاقتصادية الصعبة وإعادة جدولة الديون دون المساس بالضمانات المقدمة والمقيّمة أصلاً في تاريخ الإقراض. وأتمنى على وزارة التجارة والاستثمار ومجلس الغرف السعودية ضرورة التدخل ودراسة الأوضاع المماثلة والعمل على دعم المؤسسات والشركات ورجال الأعمال قبل أن تسقط أو تتهاوى بعض من الأسماء التجارية التي تتعامل بالتمويل البنكي أو المرابحات البنكية. وإن كنت ضمن رجال الأعمال الذين لا يتعاطون التمويل من البنوك التجارية أو الإسلامية أو الصناديق الحكومية إلا أنني حريص على من يتعامل معها ويمر بظروف صعبة نتيجة إعادة تقييم الضمانات، علماً بأن البنوك في أيام الوفرة كانت تتنافس في تقديم القروض بأي ضمانات.

* كاتب اقتصادي سعودي