-A +A
طارق فدعق
عنوان المقال يرمز إلى إجمالي الأصوات غير المرغوبة... وسبحان الله أن أعلى مستوى للدوشه أمامنا يوميا ولكننا لا نسمعها بلطف الرحمن. وتحديدا، تصدر الشمس في كل لحظة أكبر الانفجارات على الإطلاق بشكل مستمر، ولكن بلطف الخالق لا تصلنا تلك الدوشه بسبب الفراغ في الفضاء، وإلا فستكون كارثة لنا بسبب كمية الطاقة الرهيبة... والغالب أن ننتهي على شكل ما يشبه «المعصوب». وقياس الصوت من الصعوبات لأن فيه بعض «اللغوصة»، فلا توجد وحدة قياس لشدة الصوت: يستخدم تعبير «بيل» نسبة إلى المخترع الأمريكي «ألكسندر جراهام بيل» للتعبير عن الصوت، وتوضع كلمة «دي سي» ومعناها العشرية، قبل «بيل» ليصبح التعبير «ديسي بل» decibel لأنه يقاس برزم تحتوى على العشرات في تعريفها. ومن المفاهيم الخاطئة أنها وحدة قياس الصوت، وهذا غير صحيح لأنها عبارة عن تعبير نسبي بين قيمتين ولا تحمل قيمة في حد ذاتها. ويبدأ تعبير الديسبل بالرقم صفر، وهو المتفق عليه أنه أقل مستوى تستطيع أن تدركه أحاسيسنا. ويزيد المستوى إلى ما شاء الله علما بأن مستوى الألم الشديد يبدأ عند مستوى 140 ديسبل، ما يتعرض له من يقف بجانب طائرة ضخمة عند الإقلاع... وطبعا من يقوم بهذا التهور، يستحق الألم الشديد. وللعلم فالفارق بين الأرقام يقاس باللوغاريتمات، يعني كل زيادة بمقدار عشرة ديسبل تمثل ضعف الدوشه.

أتذكر أثناء أيام الدراسة في الولايات المتحدة أنني كنت ألجأ إلى زيارة حديقة فريدة من نوعها على مستوى العالم. كانت -ولا تزال- تتميز بعزل الدوشه تماما رغم أن موقعها في وسط مدينة «بورتلاند» الأمريكية وهي أكبر مدن ولاية أوريغون. اسمها «الحديقة اليابانية» وعجائبها كثيرة من توفير بيئة جميلة بصريا، وكمية هائلة ومتنوعة من الروائح العطرة، والأهم من كل هذا الهدوء التام. وبالرغم من أنها كانت مكلفة في زيارتها، إلا أنها كانت توفر الملاذ الرائع لناشدي البعد عن الضوضاء، وبالذات للطلاب.


ومن نعم الله علينا أن آلية السمع مبهرة في التقاطها لما يدور حولنا من روائع. تشمل أصغر العظام في أجسامنا، وبعضا من أقصر القنوات، وأغرب السوائل... تخيل أن الأذن ليست فقط مسؤولة عن السمع وإنما أيضا عن التوازن من خلال السائل المحبوس بداخل قوقعة الأذن. وفضلا التذكر أن ذكر السمع ورد في القرآن الكريم متقدما على ذكر البصر برغم أننا نتخيل بدهيا أن البصر هو الأهم. وتخيل أن العديد من البشر، وبالذات الشباب حول العالم يجحدون نعمة السمع الغالية من خلال السماع للموسيقى الصاخبة، وبالذات من خلال السماعات التي تشبه بعض أدوات السباكة.

ومن غرائب الدوشه أن استخداماتها الحربية متعددة، فعبر التاريخ نجدها ضمن أساسيات الهجوم وتشمل قرع الطبول والأناشيد، والأصوات المدوية على الأرض. ومن غرائب الدوشه أنه في مطلع الثلاثينات الميلادية من القرن الماضي ابتكر سلاح الطيران الألماني طائرات قاذفة للقنابل تكتيكية من نوع «شتوكا» تميزت بالدوشه. وتحديدا تم تزويدها بصفارة إنذار مزعجة جدا كانت تصدر أحد أغرب الأصوات أثناء انقضاضها على الأهداف. وأصبح دويها المزعج مقرونا بالدمار والموت، وكان من أدوات الرعب للمدنيين والعسكريين على السواء. وفي البحر أيضا كانت إحدى أهم التقنيات في الحرب العثور على الغواصات والقضاء عليها. وبوجود الدوشه الصادرة من مراوحها الكبيرة، تم التركيز على استشعار الضوضاء لصيد الغواصات بأذكى التقنيات.

وأخيرا، فلا بد من الإشارة إلى أن التلوث الضوضائي من أخطر أنواع المخاطر البيئية المهملة عالميا. وللأسف لا توجد أساليب فعالة لمكافحته إلا في النادر. والغريب أننا في البلدان العربية نصدر دوشه مذهلة، وهذا برغم أننا من أكثر الناس القادرين على احتواء الضوضاء وتحقيق الهدوء التام. والدليل على ذلك أمامنا كل يوم: فضلا لاحظ مقدار الهدوء خلال الصلوات بداخل المساجد بالرغم من وجود الأعداد الهائلة من المصلين.

أمنيـــــة

من النادر أن نجد الدوشه الإيجابية... ولكنها موجودة، ومن الأمثلة نجد استمتاعنا بضوضاء أبنائنا الصغار... ونجد أيضا الارتياح لسماع صوت محركات الطائرة أثناء السفر لأن انعدامها لا يبشر بالخير على ارتفاع ثلاثين ألف قدم.... وسأتوقف هنا لأنني أكيد دوشتكم... أتمنى أن ننجح في تقليص مقدار الضوضاء حولنا اليوم وكل يوم بتوفيق من الله عز وجل،

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي