-A +A
هاني الظاهري
لأستاذنا الكبير «عثمان العمير» مقولة طريفة ومعبرة يصف فيها مرحلة ما بعد منتصف العمر بـ «الشوط الثاني من العمر»، ويشير ساخرا إلى أنه في الربع الأخير من هذا الشوط ليس هناك خيار أفضل من «الرقص».

العمير ليس مثقفا وإعلاميا عادياً.. هو شخصية استثنائية بمعنى الكلمة.. شخصية تشبه في توقها للمعرفة واقتحام حقول الألغام بدافع الفضول شخصيات فلاسفة اليونان القدماء، ومن يشاهد هيئته الجميلة (بعيون مريديه طبعا) وطريقة تصفيفه لشعره سيقسم أنه قادم من مجلس أفلاطون أو هارب من كتاب تاريخ إغريقي مفقود.


عندما كانت الصحف السعودية تلامس السقف الأعلى في تاريخها من أرباح المبيعات وتقتحم المكاتب والبيوت كل صباح كقضاء لا يمكن رده، قفز منها العمير بكل شجاعة محملاً بأطنان من الفضول إلى العالم السيبراني ليؤسس معشوقته (إيلاف) أول صحيفة إلكترونية عربية وآخر صحيفة أيضا (إذا قررنا منح هذا الوصف للصحافة المهنية الحقيقية المكتوبة بالعربية في الإنترنت).

في نظر مؤيدي التغيير والتطوير خاض العمير التجربة السيبرانية كفارس ملهم ومستكشف برتغالي يتحدى أمواج المحيطات لاكتشاف قارة جديدة، بينما تعامل معه المصابون بعقدة فوبيا الجديد كقرصان مخرب ومثير للارتياب وأحاطوه بالإشاعات وقصفوه بالوشايات لكن دون جدوى.

واليوم بعد عقدين من قفزة العمير التاريخية بدأ المؤيدون والمعارضون بالحديث عن التحول إلى الصحافة الرقمية والتخلص من جنازة الورق بعد الأزمة الكبيرة التي ضربتها ضربة مميتة.

عاش العمير شوطه الأول من التجارب، ويعيش شوطه الثاني وحيداً متفرداً كصقر وحشي يستحيل أن ينضم إلى أسراب الطيور إلا قانصاً أو راقصاً أمامها بهدف تعليمها كيف تحلق وحيدة بشجاعة وتفتح أجنحتها للحياة، وكذلك عاش على المستوى الشخصي فلم يأبه باستقلال قطار الزواج الذي مر بجانبه لسنوات طوال، مصفرا تارة ومزمجرا تارة أخرى، وعندما سُئل عن ذلك في لقاء تلفزيوني مثير أجاب ساخرا بأنه يفضل استقلال الطائرات لا القطارات.

العمير تجربة ثقافية إبداعية إعلامية فاخرة تمشي على قدمين ومن الذكاء الاستفادة من جموحه الفكري والمهني لبناء منظومة إعلامية جديدة قادرة عل استكشاف المحيطات بشجاعة وتفرد في عالم الاتصال العصري الذي فرض قوانينه القاسية على كل شيء، ومن الجيد أن يتم استيراد رقصة العمير الجديدة لمسرح محبيه وبداياته الأولى فهذا المسرح أولى من غيره بأبنائه وإن كانوا مختلفين.

أكتب عن العمير اليوم لأن كل شيء في وسطنا الإعلامي يشير إليه خجلاً من التفريط به، ولأن الوقت قد حان برأيي ليمارس هذا الطائر الجارح أفضل رقصاته على قمة من قمم بلاده ملهماً ومستكشفا لا يمكن أن يكل أو يمل.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com