-A +A
علي بن محمد الرباعي
قادني واجب تقديم التهنئة بالعيد إلى بعض الأقارب، وبمحض الصدفة قضيت قرابة نصف ساعة مع سيدتين تجاوزتا السبعين عاماً، وكان الحديث منهن ماتعاً إذ تناولتا الشأن الاقتصادي بدءا من طلب إحداهن من الأخرى استدعاء شغالتها لتخفف من الإضاءة، وعاتبتها «ليش كل هذي الكهارب مولّعة، بتجيك فواتير تقطع الظهر».

علّقت صاحبة الدار على قول زائرتها بالترحم على زمن مضى لم يكن مكلفاً برغم صعوبته، وقالت: تذكرين يوم كنا نسرح ونروح لم نكن نمرض ولا نشكي من شيء، ومن يوم انفتح البحر بالرزان والحبان ما شفنا خير، ولا عاد شيء طب ولا دكاترة.


اشتكت الضيفة من إقبال الشركات على توظيف البنات وعدم إبداء أي اهتمام بالشبان العاطلين، وتساءلت عندي ثلاثة أحفاد كما الخشبان من يقدر يصاليهم تفصيل ثياب ومصروف جيب وسيارة وابني متقاعد وراتبه لا يزيد على سبعة آلاف.

كانت المُضيّفة تلتفت إليّ لتسمع تعليقي لكني لم أهمس واكتفيت بالإصغاء، انتقدتْ النساء المستهلكات، وزوجات أبنائها وأقسمت أن معظم ما يدخل البيت في النهار من مقاضي يخرج في المساء إلى النفايات، وتوعدّت الجيل الحالي والمقبل بالويل والثبور من نقمة الله عليهم.

كانت الضيفة مترددة في طرح موضوع الغلاء، ونظرت إليّ وطرف شيلتها على فمها، وتساءلت «يا هبون لك من حساب المواطن» فأجبتها «لا» فقالت «يا دافع البلا، الناس ما عاد يدرون وش لهم وش عليهم، واخاف أنكم يا هذه الصُّفة من جرف إلى دحديرة».

صاحبة الدار عرّجت على الأقساط والقروض، ونبّهتني على أن الدّين همّ بالليل وذل بالنهار، وقالت يا ولدي الفشخرة ما هي بزينة، وما أحد يدري وش في بطنك إن أكلت بعشرة أو أكلت بريال ومن عاش مداري يموت مستور.

الضيفة شنّت هجوماً على إيران ورفعت أكف الدعاء سائلة الله أن ينكبها ويرد كيدها، واستأذنت للانصراف، فسألتني الضيفة: عندك خبر متى يصرفون لنا الضمان؟ قلت: قريب إن شاء الله، وأضفت: عاد عيدكم، فأجبنني: عيدك يعود.