-A +A
جميل الذيابي
السعودية لم ولن تحبذ الاستعراض في علاقاتها الخارجية، إذ عرف عنها منذ عقود أنها من البلدان القلائل التي تنطبق عليها مقولة «تفعل قبل أن تقول»، ولقد ظلت مواقفها تجاه أشقائها وأصدقائها وحلفائها عند اشتداد الأزمات والتحديات خير برهان على ذلك.

في عام ١٩٨٨، دهمت السودان أعتى موجة فيضان وسيول، فسارعت السعودية إلى إطلاق أكبر جسر جوي -وصف في ذلك الوقت بأنه «الأضخم»- لإغاثة المنكوبين والمتضررين من الأشقاء السودانيين.


وما يربط السعودية والسودان من أواصر التقدير والأخوة والعلاقات الأزلية المشتركة لم يقف «البحر الأحمر» حاجزاً بينهما، بل ظل جسراً رفيعاً للتواصل بين البلدين، ومعبراً لحركة التجارة بين ميناءي «سواكن» السودانية وجدة السعودية.

لم تربط المملكة مساعداتها للشعب السوداني بأية مصالح ومحاور سياسية، إذ أخذت في الاعتبار أن الحكومة السودانية إبان أزمة السيول والأمطار في عام ١٩٨٨، كانت تتشكل من أحزاب متباينة في الرؤى والأيديولوجيا، بعضها لم يخف العداء للسعودية؛ ما يعني أن المملكة لم تربط وقوفها مع السودان بالمحاور والمصالح الضيقة ورغبات السيطرة والتمدد، كما يفعل غيرها.

حزمة المساعدات السعودية الإماراتية الأخيرة للشعب السوداني الشقيق عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، البالغة ٣ مليارات دولار، جاءت عقب انهيار اقتصادي خطير يضع السودان كله على حافة الخطر، بعد تدهور عملته، وعجز البنوك عن الإيفاء بالتزاماتها، وامتداد طوابير المركبات في الخرطوم أمام محطات الوقود إلى أكثر من كيلومتر، بسبب سياسات النظام السابق الذي أغرق البلاد في مشكلات عدة (يطول شرحها)، حتى قيل إن بعض عناصر النظام كانوا يبيعون بلا خجل المساعدات الإغاثية والإنسانية والإعانات الموجهة للفقراء والمحتاجين.

لا شك أن حزمة المساعدات السعودية الإماراتية أسهمت بشكل مباشر في وقف تدهور العملة السودانية، فقد بدأ «الجنيه» في استعادة عافيته، وتوافرت الاحتياجات الملحة للشعب السوداني، وهو ما قطع الطريق على «ثلاثي الشر» (تركيا، وإيران، وقطر)، وأعطب محاولاتهم التسلل وفرض نفوذهم على إرادة السودانيين واستغلال الأوضاع لمصلحة سوق الأيديولوجيا «الإخوانية» والفارسية.

لذلك، لم يكن مستغرباً وصف الرئيس التركي أردوغان للثورة الشعبية في السودان بالانقلاب، في تحد خطير للإرادة الشعبية السودانية. أما دولة الملالي التي فاجأها التغيير في السودان فستظل تعض بنان الأسف على الإطاحة بنظام البشير الذي باع ترابه لخلايا ومراكز إيرانية كانت تعمل تحت عباءة الثقافة لنشر التشيُّع وفرض أيديولوجيتها على الشعب السوداني.

تنبه السودانيون إلى المخاطر التي تنخر في بلادهم، ونجحوا مرة بعد مرة في فضح محاولات محور الشر الثلاثي (طهران، وأنقرة، والدوحة) في استباحة موارد السودان تحت أي بند من بنود المشاريع الوهمية التي تحمل في باطنها أجندات واضحة ومصالح مفضوحة.

في المقابل، ظل سلطان «الإخوان» أردوغان لا يخفي نهمه وطمعه في الإطلالة على البحر الأحمر، إذ توج زيارته للخرطوم العام الماضي بعقد صفقة مشبوهة مع نظام البشير لتحويل ميناء سواكن في البحر الأحمر إلى قاعدة بحرية لتهديد الدول المشاطئة، وسرعان ما تنبه أبناء «النيلين» إلى مخاطر الصفقة التي يجري الآن طي صفحاتها، إذ كان يريد الإطلالة على البحر الأحمر كما منحته قطر فرصة الإطلالة على مياه الخليج، بتواجد قاعدته العسكرية في الدوحة.

لقد فشل نظام البشير على مدى 30 عاماً في قيادة السودان بعيداً عن سياسات الاستقطاب والمحاور، واكتفى أمام كل أزمة بـ«الرقص بالعصا» ومدح الذات بدلاً عن مواجهة التحديات لإخراج سلة غذاء العالم من الأزمات.

الأكيد أن السعودية ستواصل دعمها للسودان، ولن تربط دعمها له بسياسات المحاور والاستقطاب والمصالح الآنية.. فعلت ذلك منذ عقود طويلة حباً في الشعب السوداني «الطيب»، وستمضي في نهجها دون النظر إلى التقلبات السياسية، والأهم أن مخططات «ثلاثي محور الشر» انفضحت، والشعب بدأ يحاصر فلول «الإخوان» ويطرد الأشرار.