-A +A
عبده خال
أحدث اللقاء مع أبلة زهرة المعبي ردوداً كبيرة وأصداء لم تقف إلى الآن عندما تحدثت عن إشرافها لملحق (ذات الخمار) بجريدة المدينة المنورة، ونشرها لمقالات اجتماعية لــ(نفين عبده) التي لم تكن إلا اسماً مستعاراً للكاتب عبده خال..

واستغرابي لردة الفعل الكثيفة أن هذا الخبر لم يكن حديثاً مفاجئاً لدى القراء، إذ كتبت عن هذا في شهادات عديدة عن تجربتي الروائية التي ألقيتها في عواصم عربية وعالمية، وكذلك في لقاءات صحفية وكم من مرة تحدثت بها مع بعض الأصدقاء الذين لا يعرفون كيف بدأت، وإذا كان لقاء مع أبلة زهرة المعبي أحدث هذا الانفجار على مواقع التواصل الاجتماعي فلا بأس بذكر القصة من البداية:


في عام 1400 للهجرة (1980) كان عمري 17 عاماً، ولم تكن لي أي تجربة منشورة في الصحف، وفي تلك الأيام كتبت أول قصة في حياتي بعنوان (في الغروب موت الشمس)، وكان أهم ملحق أدبي في حينها يصدر من جريدة المدينة ويشرف عليه الأستاذ سباعي عثمان رحمه الله، فبعثت بتلك القصة إلى الأستاذ سباعي عثمان مذيلة باسم (نيفين عبده)، والأسباب الخفية لأن أرسل قصة للجريدة باسم مستعار الخشية من سخرية أبناء الحارة المشبعين بالتنكيت على أي فعل يحدثه أحد أقرانهم، ولأن الملحق كان يرد على الرسائل التي تصله، كنت خائفاً أن أتلقى رداً يطال القصة بما يشير إلى سوئها، ومن أجل ذلك تخفيت خلف اسم مستعار حتى إذا كان الرد محبطاً فلا أجد من ذلك الرد سخرية أمام أقراني..

وخلال أسبوع من الإرسال كانت القصة منشورة في الملحق الأدبي على ثلاثة أرباع الصفحة (وهذا لا يتأتى إلا لكبار الكتاب) مع رسومات إخراجية محتفية بذلك النص، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم تمثيلها من خلال برنامج إذاعي تمثيلي بعنوان (قصة من الأدب السعودي) كان يكتبه الأستاذ سباعي عثمان كسيناريو... هذا الاحتفاء غير المتوقع جعل الشاب عبده خال يتمنى إخبار جميع أقرانه أنه هو من كتب هذه القصة، فكنت أدور على أقرب الأصدقاء لأقول لهم أنا من كتب هذه القصة، ولم أسلم من السخرية الممتدة (سخرية من الاسم المستعار ومن الادعاء أنني كاتب) إذ كانت كلمة كاتب شيء بعيد المنال، بل كان التنكيت على من يقرأ فقط فكيف إذا قال: أنا أكتب.

ولكي أبرهن أنني صاحب قصة (في الغروب كان موت الشمس)، اتصلت بالأستاذ سباعي عثمان لأخبره أنني أنا نيفين عبده، كان استقباله للمكالمة صادماً إذ اتهمني أنني أضلل النقاد بالاسم المستعار، طالباً أن أنشر باسمي الصريح، فكانت فورة الشباب والمخيلة الخصبة حاضرة، فكتبت نصاً قصصياً (الآن أعتبره نصاً متقدما جداً).. كتبت قصة على لسان عُرِّي (قط) مضطهد، كان يدخل إلى بيوت الحارة ويروي أسرار سكان تلك البيوت، ومن كل بيت يخرج بقصة يكون رابطها وتسلسلها العذابات التي وقعت عليه، وانتظرت نشر تلك القصة.. مضى أسبوع وأسبوعان وثلاثة من غير أن تنشر قصة (عذابات قط) وفي الأسبوع الرابع وجدت رداً ضمن ردود القراء.. كتب هكذا: القارئ عبده خال قصة (عذابات قط) التي تتحدث بلسان قط غير موفقة؛ لأنك لا تعرف لغة الحيوانات، فكيف تكتب عن مشاعر قط وما يجده من تعذيب؟ كما أن الأسرار التي رواها لا يمكن نشرها.. نتمنى أن تقرأ جيداً وتعاود المحاولة... كان هذا الرد تحت أنظار الأصحاب ولم أنجُ من السخرية اللاذعة، فانتقلت إلى كتابة القصائد ونشرها في جريدة الشرق الأوسط وجريدة الجزيرة ومجلة اقرأ ومجلة اليقظة والنهضة ومجلة نور باسم مغاير (رمزي السماوي) وكانت تنشر مع الحذف والتعديل، في تلك الفترة نجحت من الثانوية وتم قبولي في جامعة البترول والمعادن بالظهران، فأرسلت مقالة اجتماعية إلى ملحق ذات الخمار باسم نيفين عبده (مرة أخرى) ومن خلال المراسلة تم قبول نشر مقالة أسبوعية في الملحق (ربما استمر هذا الأمر لمدة سنة)، ولأسباب دراسية انتقلت من جامعة البترول إلى جامعة الملك عبدالعزيز كلية الهندسة، وفي ذلك العام عملت صحفياً متعاوناً مع جريدة «عكاظ».. وبعدها بسنتين أو ثلاث انتقل الأستاذ سباعي عثمان إلى جريدة «عكاظ» مديراً للتحرير ومشرفاً على القسم الثقافي، فأخبرته أنه السبب الذي جعلني أهجر القصة، وبطيبته أخبرني أنني فاشل في كتابة القصيدة ولو أردت مواصلة الكتابة فلن يكون ذلك إلا من خلال كتابة القصة..

على أية حال هذه الفترة من بدايات كتابتي هي قصة تروى (كلامياً)، فلها زوائد مضحكة (تفطس من الضحك)، المهم أن تلك الفترة انتهت بحمولة أسماء مستعارة كتبت تحتها كأول المحاولات ثم واصلت كتابة القصة باسم عبده خال.

* كاتب سعودي

Abdookhal2@yahoo.com