-A +A
منى العتيبي
في صورتين متقابلتين بين الموظف العربي والغربي بعد انتهاء خدمتهما، أجد هناك فروقات مريبة ومربكة بينهما في شأن التعايش مع أوضاعهما، في الغرب يُقبل المتقاعد -وأتحفظ جدا على كلمة «متقاعد»- على حياة شبيهة بحياته الوظيفية ولا يشعر أكثرهم غالبا بالفرق الكبير؛ لإدراكهم أولا بأن الوظيفة محطة من محطات حياتهم لا يتعلقون بها كصورة يؤطرون أنفسهم حولها. بينما في السياق نفسه تختلف الصورة عند المتقاعد العربي الذي يعلق نفسه في الصورة ويؤطر نفسه فيها، بحيث لا يستطيع الخروج منها ويفقد صورته الاجتماعية وسطوة وجوده التي تعلقت بمنزلته الوظيفية.

هذه الصورة للمتقاعد تتكرر وتتناسخ نفسيا واجتماعيا لدى المتقاعدين من المواطنين لدينا أيضا. ويتوقع البعض تحسين صورتها وعلاجها تقف عند النظر في المستحقات المادية، لكنها في الواقع أعمق من ذلك، فمشكلات المتقاعدين ليست مشكلات مادية فقط بقدر ما هي أيضا مشكلة «قيمة» المتقاعد لدينا يجهل قيمة الحياة ويعلق نفسه بالوظيفة التي إن فقدها فقد معها قيمته الاجتماعية وقيمة الإحساس بقيمته أصلا وهذا الأمر يعاكس أحد أهم محاور الرؤية السعودية في تحقيق جودة الحياة.


مشكلة المتقاعدين الآن في حاجة إلى التركيز على صناعة جودة الحياة لهم، خصوصا أن برنامج جودة الحياة 2020 يعمل على تحسين جودة الحياة في المملكة، من خلال محوري تطوير أنماط الحياة، وتحسين البنية التحتية. فيعمل على تطوير أنماط الحياة من خلال تفعيل مشاركة الأفراد في الأنشطة الترفيهية والرياضية والثقافية في المقابل تحسين البنية التحتية من خلال الارتقاء بالنقل، والإسكان والتصميم الحضري والبيئة، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية والتعليمية، والأمن والبيئة الاجتماعية.

مع العلم بأن المتقاعدين فئة حيوية اجتماعيا، أعطوا أوطانهم من راحتهم وأعمارهم وبكل فناء وعلى رأسهم العسكريين الذين واجهوا الأخطار وتحملوا المحاذير وسهروا لننام بأمان؛ من أجل هذا إيجاد حياة مجوّدة لهم يدفعهم إلى استمرارية هذه العطاءات بنمط آخر ويكون ذلك بتوفير امتيازات خاصة بهم بإشراكهم في الفعاليات الاجتماعية برسوم مجانية، تخفيض رسوم تذاكر السفر، تمكينهم من العلاج في كافة المستشفيات الحكومية مجانا، وإشراكهم في الأعمال الثقافية والتطوعية التي ستسهم بدورها في إعطائهم مكانتهم الاجتماعية حالما يشعرون بفقدانها مع فقدان الوظيفة، وغيرها من الامتيازات في الصحة والترفيه والمناسبات الاجتماعية.

حتى المسمى نفسه «المتقاعد» لا يتوافق مع أهداف جودة الحياة 2020 فيه دلالات على الركود والركون والتوقف وانقضاء الشيء، فالتغيير لا بد أن يبدأ من الهرم.. تغيير الاسم وتحويله إلى آخر يبعث إلى الحياة؛ فقد أظهر التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتقاعد لعام 2017 أن عدد المتقاعدين الأحياء وصل إلى نحو 614.9 ألف متقاعد بنهاية عام 2017 بزيادة قدرها 8% مقارنة بالعام الذي سبقه.. هذا قبل سنتين فكيف بالعدد الآن؟ أكثر من 600 ألف يواجهون حياتهم بعد حياتهم الأولى.. يصارعون اليأس وفقدان الهوية الذاتية.. والكينونة المجتمعية.. أكثر من 600 ألف رقم ليس بهين وسيصنع الفرق في أهداف جودة الحياة في الرؤية.

أخيرا سؤالي للجهة المعنية، هل سنرى برنامجا متكاملا قريبا للمتقاعدين ونقول لهم: أهلا بكم في برنامج جودة الحياة 2020؟