-A +A
عبداللطيف الضويحي
أسدل الستار قبل يومين على واحد من أكبر معارض الكتاب في الوطن العربي، فانفض الجمع ومضى كل إلى غايته، وسيعود المعرض بعد عام من الآن، دون تغيير يذكر، ما عدا تحوله لإشراف وزارة الثقافة، بعد أن ظل ردحا من الزمن تحت إشراف وإدارة وزارة الإعلام والثقافة.

‏ما هي أهداف معرض ‏الكتاب؟ هل هي ثقافية أم اقتصادية أم أن لمعرض الكتاب أخرى؟ وهل تحققت تلك الأهداف؟ كيف نقف على النتائج التي يتم تحقيقها سواء كانت تخدم تلك الأهداف أم أنها مستجدة؟ ولماذا لم تنعكس كثيرا تلك النتائج على النسخ الأخيرة من المعرض؟ هل استنفد المعرض الغرض منه؟ أم أن هدف المعرض كان إعلاميا، فتوقف المعرض عند هدفه الإعلامي، فدخل في دوامة التكرار فهرم وشاخ مبكرا؟


للإنصاف وللحقيقة، قبل عدة سنوات، كان معرض الرياض للكتاب محطة ثقافية فارقة محليا، حيث جاء بعد زمن طويل كان فيه المثقفون والأكاديميون والمهتمون يشدون الرحال إلى معرض بيروت ومعرض القاهرة وغيرهما قدر ما تسمح به الرقابة الصارمة آنذاك وتتجاوز عنه، لذلك كان معرض الرياض للكتاب فرصة كبيرة لهؤلاء ولغيرهم من الشرائح الجديدة التي دخلت في فلك الثقافة والقراءة من شرائح وفئات المجتمع السعودي، فأسهم في حراك ثقافي غير مسبوق لشرائح واسعة من الشباب للجنسين والأطفال وبعض شرائح الكبار، فضلا عن المثقفين والمفكرين والمهتمين.

لكن ككل المناسبات والمشروعات التي لا تخضع للتقييم وللتطوير، يبدو أن معرض الرياض للكتاب فَقَد بريقه وتأثيره الذي أحدثه خاصة فيما بين 2010 وحتى عام 2016، الأسباب متعددة، منها ما يتعلق بالتنظيم والإدارة ومنها ما يتعلق بالأهداف والإستراتيجية.

أبرز مشكلات المعرض أنه يتعامل مع جمهوره، ككتلة واحدة دون التمييز بينهم ودون التعرف على خصائص كل فئة من تلك الفئات.

إلى الآن يخاطب المعرض جمهوره خطابا عاما ويتوجه لجمهوره كجسم واحد من دون الوقوف على الاختلافات والفوارق العمرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

على سبيل المثال، أخفق المعرض بالوصول إلى الأطفال من خلال محاكاة اهتماماتهم ومن خلال الأنشطة الثقافية التي تستهويهم وتستميل قدراتهم ورغباتهم فضلا عن عدم تقديم مسابقات ثقافية محترفة وعبقرية تجذب المستهدفين، كما أن المعرض أخفق بأن يكون قبلة للشعراء والشاعرات على المستوى العربي، بإحياء فكرة المعلقات على سبيل المثال، بحيث تعلق القصائد الفائزة على مستوى البلاد العربية لمدة عام، ثم تستبدل كل عام مع معرض الكتاب.

كما أن معرض الكتاب في الرياض أخفق بعدم وصوله للمقيمين في المملكة واستمالتهم، فهؤلاء تناهز أعدادهم الـ12 مليون نسمة، بينهم 3 ملايين مقيم في الرياض وحدها. كان على المعرض أن يشجع هؤلاء المقيمين حسب جنسياتهم بتخصيص جناح لإصداراتهم الشعرية والأدبية والفكرية بل وطباعة المتميز منه والذي يرقى لأن يكون شهادة على تجارب هؤلاء المقيمين في المملكة في حقبات زمنية كانت مغلفة بعلاقة سطحية بين المقيم وكفيله أو بين صاحب العمل وصاحب المهنة.

كم أتمنى شخصيا أن أقرأ تجربة مقيم سوداني أو مصري في المملكة، وكم أتمنى قراءة قصيدة شاعر مقيم في المملكة وتتحدث عن غربته أو حنينه لبلده أو أهله وكم أتوق لقراءة رواية تدور أحداثها في المملكة وكتبها مقيم هندي أو مقيمة فلبينية، كما أتمنى لو قرأنا عملا روائيا لطبيب من جنوب أفريقيا أو من إحدى الدول الإسكندنافية يعمل في أحد المستشفيات السعودية أو مهندس من الأردن يعمل في أحد المصانع، أو قصة أحد المستثمرين العرب أو الأجانب في الرياض أو في جدة أو في الدمام، ليتسنى لمجتمعنا أن يقرأ بموضوعية هؤلاء الناس من خلال كل شخص وكل تجربة، بدلا من مقصلة التعميم والنظرة غير الموضوعية لكل جنسية من الجنسيات بعمومياتها والمقيمين بشكل موحد، وصولا إلى مجتمع حضاري ومتحضر، بعيد عن العنصريات والعنصريين.

أتمنى أن يعيد معرض الرياض قراءته لأهدافه وتحديثها، وأن ينزل لمستوى يليق بكل فئة على حدة، بدلا من التعامل مع الجمهور ككتلة أسمنتية واحدة.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org