-A +A
عبده خال
منذ فترة ليست بالقصيرة كتبت مقالا بعنوان «أفواه موصدة» على هامش مناسبة وطنية، كنت فيه مستغربا من عدم خروج القيادات التعليمية للحديث عن التطلعات والمعوقات المستقبلية التي تجابه البلد، إذ كنت أتوقع أن يخرج علينا أهم القيادات التعليمية بتقديم الرؤى والإستراتيجيات عن ملامح المرحلة القادمة، إلا أن ذلك التوقع ذهب أدراج الرياح.

ولأن الأمر مازال على ما هو عليه، فلا ضير من معاودة محاولة فتح الأفواه للحديث، ولكي نفهم إلى أين المسير، فمعرفة خارطة الطريق تعد أهم وسيلة للوصول إلى المستقبل، ومعرفتها وإشاعتها يصبح أمرا ملحا لأن يتعرف الجميع على خطواتنا القادمة، وإذا كان مديرو الجامعات لم يفتونا إلى الآن عن خططهم الفعلية لتعريف الرؤوس التعليمية (قادة الحركة العلمية في الجامعات من أساتذة ومدربين ومحاضرين) إلى أين التوجه.. إذا لم يحدث هذا، فمن باب أولى أن يكون طلاب الجامعة لايزالون يسيرون على قضبان متهالكة، ومن باب أولى أن العامة يقتعدون المدرجات من غير معرفة أي تصويبة يصفقون لها!.. وإشاعة المعلومة عن التحول الوطني يعتبر أمرا في غاية الأهمية لأن يطلع عليها المعلم والمتعلم.


أقول ربما الكثير أصيب بخيبة أمل إزاء التصريحات التي خرجت من أفواه مديري الجامعات، فهي تصريحات تصلح للجرائد (وتبيض الوجه)، ولا تصلح للعقول التي تنتظر ماذا سيحدث في التعليم العالي، سواء للأساتذة أو الطلاب أو المتابعين للشأن الوطني، فدور الجامعة ليس التفريخ، بل قيادة المجتمع في كل مناحي الحياة.

ولو استعرضنا تصريحات مديري الجامعات لن تكون تلك التصريحات متطابقة مع الأهداف المرسومة، وأعتقد أنه سوف يصل الكلام إلى عام 2030، ونحن نستمع لتلك التصريحات المجانية، وسوف نعاود متأخرا قول الجملة الاستنكارية: (أها إش قالوا)..

ربما نتلمس أو نسمع عن الخطوط العامة لخطة التحول الوطني، لكننا بحاجة ماسة إلى التفاصيل، ومن باب أولى أن يكون مديرو الجامعات لديهم ما يقولونه للمجتمع، فنحن لا نريد مسابقات وصول جامعاتنا إلى التصنيفات الشكلية المتقدمة كهم أساسي يحظى بقبول المسؤولين ولا يحظى بتقديم المجتمع للأمام، نريد أن نفهم كيف سيكون وضع الطالب الجامعي علما وعملا.. نريد معرفة كيف يمكن إحداث التغيرات الاجتماعية، ومعرفة كيف يمكن للمجتمع أن يتعامل مع الأوضاع الاقتصادية في ظل وجود مستثمر أجنبي، ومعرفة أثر اجتذاب القطاع الخاص للثروة البشرية القادمة للسوق العمل، وما هي الدراسات الجامعية التي يمكن لها أن تسهم في إلقاء الضوء على آفات الاقتصاد سواء من خلال تفشي الاحتكار أو استشراء الفساد، وما هي المقترحات الجامعية لامتصاص البطالة والفقر، وماذا أعدت الجامعات من حلول لتأخر المشاريع التنموية.. وماذا أحدثت الجامعات من خطوط تواصل لتعزيز مشاركتها للجهات الحكومية في إيجاد الدراسات والحلول التي تعترض القطاع الحكومي، وماذا فعلت الجامعات إزاء الحقيقة الاقتصادية التي تقول إن هناك تشوهات هيكلية في الاقتصاد وضعفا في كفاءة التحقيق، وهل ساهمت الجامعات في تقديم المعونة العلمية في تذليل التحديات التي تواجه خطة التحول الوطني عن مدى قدرة الوزارات في أن تستخدم قياسات القطاع الخاص للوصول إلى إنتاجية فاعلة.

عشرات القضايا التي كنا نتمنى أن يخرج علينا مديرو الجامعات في مؤتمر صحفي ويعلنوا فيها تعهدهم بالقيام بالأدوار العلمية التي سوف يضطلعون بأدائها.. فالزمن القادم لا يحتاج إلى أسوار جامعية ومكاتبات خطية من خلف زجاج مثلج.

وهذه مقالة العودة والاستذكار، فهل أحتاج مرة أخرى للقول: عن المواطن الصالح ليس من يستمع بل من يعمل.

* كاتب سعودي

Abdookhal2@yahoo.com