-A +A
منى المالكي
لا يمكن تصور خيراً في مجزرة نيوزيلندا الإرهابية والدماء الزكية الطاهرة التي سالت في أطهر بقاع الأرض، ولكن دائماً ما تظهر المنحة من قلب عتمة المحنة، وهذا ما نعجز عن اقتناصه نحن مسلمي هذا العصر، أن تقلب السلبية إلى إيجابية في صالحك فن لا يتقنه الكثيرون، استثمار اللحظة بكل تفاصيلها مهارة نفتقدها كثيراً، ولكن هذا لا يعني العجز ورفع الراية البيضاء، فالمبتعثون والمبتعثات في أوروبا وأمريكا والشرق الأقصى يملكون فرصة رائعة لترويج تسامح الإسلام تجاه خطاب الكراهية العنيف الذي استفاد من رقمية هذا العالم الصناعي لينقل أحداثاً مريعة وكأننا أمام لعبة من ألعاب «السوني» وهذه النقطة الأولى التي يجب علينا التوقف أمامها ودراستها والعمل على الحد من زحف التكنولوجيا التي أحالت عالمنا إلى أسلاك وشاشة بلا مشاعر أو حتى إحساس بالآخر الذي شاركنا العالم وأصبح «الإرهابيون الرقميون الجدد» منظمات إرهابية كشفها عالم التكنولوجيا التي خرجت عن السيطرة للأسف، وأضحت الغربة هي سمة العصر الحالي رغم تحول العالم إلى قرية كونية فأي جنون نعيشه الآن.

النقطة الثانية التي نقف لها احتراماً هو خطاب رئيسة وزراء نيوزلندا التي قررت فعلاً أن الإرهاب لا دين له! بل وحتى مشاركتها وتعزيتها لأهالي مصابي الحادث الإرهابي، وقد لفت نظري ارتداؤها للحجاب على رأسها وكأني بها تقول هذا ما يميز المرأة المسلمة التي أشعر بالتضامن معها من خلال غطائي لشعري، هذه الرسالة تحمل الكثير وهي أن الحجاب للمرأة المسلمة هو ما يفرقها عن غيرها ولذلك ارتدته رئيسة الوزراء تعاطفاً حتى ثبت ذلك الشعور بالمواساة، فلماذا نتنازل عما يميزنا نحن المسلمات؟ لماذا نتنازل عن أمر إلهي فيحفظه لنا الآخر؟ هنا تكمن المفارقة!


الدرس الثالث هو «عدم وضع البيض كله في سلة واحدة» كما يقول المثل الإنجليزي فليس كل الغرب إرهابياً كما ليس كل المسلمين دواعش! فمن خلال قصص للمبتعثين والمبتعثات عن تضامن المجتمعات المحلية معهم ومعهن ووقفوهم في المساجد مع المصلين والمصليات ما يحفزنا أن نكون أيضاً نحن المسلمين الأجدر والأحق ببث خطابات التسامح رغم ظلمة الليل الذي نعيش فيه، ولنا في رسول الله أسوة حسنة وهو الذي يستطيع الأخذ بثأره من وحشي قاتل حمزة ولكنه عفا عنه! فمن السهولة بث الكراهية ولكن من الصعب أن تكبح جماح غضبك تجاه موقف محزن ومريع مثلما حدث في مسجد مدينة «كرايست تشيرتش»، ولكني أرى تلك الدماء الزكية زيت محبة لقناديل السلام بين شعوب العالم لنقدم الإسلام قوياً في الدفاع عن حقه وقوياً أيضاً وهو يعفو ويصفح وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@