-A +A
صدقة يحيى فاضل
باكستان والهند دولتان جارتان هامتان، بالنسبة للعالم أجمع. ومن المؤسف أنهما أصبحتا عدوتين لدودتين، لظروف ومسببات معروفة، لعل أهمها قضية كشمير، منذ رحيل الاستعمار البريطاني من شبه القارة الهندية عام 1947م. ولقد تعدت العلاقات بينهما، منذ الاستقلال، مرحلة الكراهية والتنافس، ودخلت مرحلة العداء الصارخ. منذ استقلالهما، قامت بين البلدين ثلاث حروب طاحنة (حروب 1947، 1965، 1971م)، وعدة مناوشات خطيرة، ونشأ بينهما سباق تسلح رهيب، تحول منذ سنة 1974م إلى سباق تسلح نووي مرعب، ليس بالنسبة للبلدين وحسب، بل وبالنسبة للمنطقة وللعالم ككل.

ولو عدنا إلى التاريخ القريب، سنجد أن الهند دخلت النادي النووي عام 1974م، وأجرت تجربتها النووية الأولى يوم 17 مايو 1998م، وسرعان ما لحقت بها باكستان، التي أجرت التجربة النووية الباكستانية الأولى لها بتاريخ 29 مايو 1998م، أي بعد 12 يوماً من تجربة الهند النووية. ثم تواصل سباق التسلح النووي بينهما منذ ذلك الحين، وحتى الآن، وشمل القنابل والصواريخ الباليستية. وعلى سبيل المثال، أعلنت باكستان، يوم 6/‏4/‏1998م، أنها أجرت تجربة ناجحة، لإطلاق صاروخ أرض – أرض، متوسط المدى (مداه 1500 كم) ويمكنه حمل رأس حربي، زنته 700 كجم. أي يمكنه حمل رأس نووي، متوسط القدرة التدميرية. وأطلقت باكستان على ذلك الصاروخ اسماً معبراً، هو «غوري»... نسبة إلى الإمبراطور محمد معز الدين غوري، الذي احتل الهند في نهاية القرن الثاني عشر. وقالت باكستان: إن هذه التجربة تتعلق أساساً بحاجات أمن باكستان، الذي يتعرض -حسب قولها- لتهديد السلاح النووي الهندي.


وسرعان ما ردت الهند على ذلك الإعلان، بتصريح، جاء على لسان وزير دفاعها آنئذ، قال فيه: «إن الصواريخ الهندية قادرة على الوصول إلى أي مكان، في باكستان... وليس هناك جزء في باكستان خارج مرمى (مدى) الصاروخ الهندي بريتفي». واتهمت الهند الصين بأنها سهلت امتلاك باكستان للسلاح النووي وصنع الصواريخ التي تحمله. وتوعدت بالإسراع في تطوير سلاحها الصاروخي، وعملت ذلك فعلاً.

***

وفي كل الأحوال، فإن ذلك الحدث، وما شابهه لاحقاً، يجسد تواصل سباق التسلح، بين الهند وباكستان... والذي ينصب على أسلحة الدمار الشامل، وبخاصة السلاح النووي. ويمتلك كل من الطرفين الآن ترسانة نووية تكفي لتدمير شبه القارة الهندية، وما حولها. إذ يمتلكان رؤوساً نووية... ووسائل (مناسبة) وخاصة الصواريخ الباليستية، متوسطة وطويلة المدى، القادرة على حمل وقذف هذه الأسلحة، ضد بعضهما. تمتلك الهند، في الوقت الحاضر، حوالى 110 رؤوس نووية، وصواريخ باليستية حديثة هندية الصنع، منها طراز يسمى «أجني» (أي النار) مداه 2500 كم، وصواريخ من طراز «بريتفي» و«ترتشيول». بالإضافة إلى استمرارها في تطوير نظمها الدفاعية، القائمة على الأقمار الصناعية. بينما تمتلك باكستان الآن حوالى 120 قنبلة نووية، وسلسلة من صواريخ «حتف – 1» (يبلغ مداه 100 كم)، و«حتف – 2» (مداه 200 كم)، و«حتف – 3» (مداه 800 كم) وغيرها.

والواقع، أن كل باكستان تقع ضمن مدى الصواريخ الباليستية الهندية. بينما تستطيع باكستان الآن ضرب الأجزاء الغربية والجنوبية، والوسطى من الهند (مساحة الهند تبلغ حوالى خمسة أضعاف مساحة باكستان) بما في ذلك المؤسسات النووية الحيوية، الواقعة في جنوب غرب الهند.

***

ويدعو محبو السلام في المجتمع الدولي كلاً من الهند وباكستان إلى «ضبط النفس»، و«وقف هذا السباق المدمر»، للبلدين ولغيرهما. صحيح، أن للهند حسابات أخرى (العلاقات مع الصين، الرغبة في أن تصبح قوة عظمى، وغير ذلك) وللباكستان حساباتها الخاصة الأخرى، ولكن تظل العلاقات الهندية – الباكستانية المتوترة هي: الدافع الأساسي نحو سباق التسلح هذا، بين هاتين الدولتين. وقد تفاقم هذا العداء مؤخراً (فبراير 2019م) وارتفعت نسبة الصراع في علاقاتهما الثنائية، ونجم عن ذلك اشتباكات ومناوشات حدودية خطيرة في كشمير، كادت تتطور إلى حرب شاملة بين الجانبين. الأمر الذي يبرر القلق من هذه العلاقات السيئة. وما زال هذا العداء والتوتر مرشحاً للتصعيد في المستقبل المنظور، ما لم ينزع فتيله، وتتم تسوية النزاعات بينهما سلماً، وعبر الدبلوماسية والوساطات الحميدة.

***

لقد أدى سباق التسلح هذا بالفعل إلى نشوء «توازن رعب»، بين الطرفين... وكان يؤمل أن يقود ذلك التوازن إلى نوع من «الوفاق»، القائم على مبدأ «الردع المتبادل» بينهما... ولكن هذا السباق (الذي يدعي الطرفان، أنهما لا يريدانه) لم يزد علاقاتهما حتى الآن إلا سوءاً وتدهوراً، ويمكن أن تنتج عنه حرب مدمرة، تعيد حضارة شبه القارة الهندية العريقة، وما جاورها، إلى ما كانت عليه في العصور القديمة. فهو «توازن» غير مستقر، إن صح التعبير. إذ يعتقد المراقبون العالميون بأن شبه القارة الهندية هي (الآن، وبسبب هذا التسابق) المرشحة الأولى، لتشهد نشوب أول حرب نووية رهيبة.

وبالإضافة إلى أن هذا السباق يؤثر (بالسلب المؤكد) على كامل البيئة المحيطة، ويستنزف جزءاً هاماً وكبيراً من موارد باكستان والهند (اللتين هما في أمس الحاجة إلى كل قطعة نقدية... لتمويل مشاريع التنمية، ومحاولة رفع مستوى معيشة شعبيهما، الذي يعيش قطاع واسع منه -كما هو معلوم- تحت مستوى الكفاف)، فإن نشوب حرب نووية بين هذين البلدين -لا سمح الله- سيؤدي إلى دمار جزء كبير من العالم، بفعل الإشعاع النووي الذي سينتج عن هذه الحرب. وسنتحدث عن هذا التأثير والضرر العالمي المتوقع في المقال القادم.

***

إن هذه الحقائق عن العلاقات الهندية – الباكستانية يجب أن تدفع نيودلهي وإسلام أباد (والعالم أجمع) نحو تطبيعها، ووقف هذا السباق، ومحاولة التوصل إلى حلول سلمية لما بين الدولتين من مشاكل، وخاصة قضية كشمير. ليتفرغ البلدان للتركيز على برامج التنمية الاقتصادية، والاجتماعية. وحري بالعالم الإسلامي بخاصة، أن يتدخل (بفعالية وإيجابية) لإصلاح هذه العلاقات، و«حل» هذا النزاع، ووضع حد نهائي له... لصالحه، ولصالح الطرفين، ومن باب الحرص على حياة ورفاه حوالى 25%، من مجموع مسلمي العالم... الذين يقطنون بباكستان والهند، وينتمون لجنسيتي البلدين...

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com