-A +A
محمد آل سلطان
لا أخفي حماسي تجاه أي عملية توطين تقوم بها وزارة العمل والوزارات الأخرى المساندة لأي نشاط وقطاع في الأسواق السعودية، لأن حق العمل للمواطن حق أصيل ومكتسب ما دام يعيش في بلده ووطنه، ولكن هذا الحماس خف أو اعتدل كثيراً خصوصاً وأن لي تجربة عملية سابقة عملت فيها كمستشار في وزارة العمل، هذه التجربة العملية جعلتني نوعاً ما أتوازن تجاه أي عملية توطين وأنظر لها من عدة زوايا وانعكاسات القرارات على المواطن السعودي نفسه، سواء كان صاحب عمل أو باحثا عنه أو مستهلكا وطالب خدمة..

كما أن لدي قناعة أخرى أن أفضل عملية تدريب لتعلم التجارة بطريقة عملية لا تمنحك إياها كل كليات ونظريات التجارة وإدارات الأعمال هي الانخراط في السوق وتجارة التجزئة وعلى رأسها البقالات والتموينات.. إلخ، وأي قرار يصدر في هذا الاتجاه سواء بشكل كلي أو جزئي يفرز لنا كثيراً من قصص الشباب والشابات الناجحين الطامحين للارتقاء في عالم المال والأعمال الذين يقتنصون مثل هذه الفرص التنظيمية، وفي الوقت ذاته لدي قصص أخرى عن أفراد وأسر تدهورت حالتهم الاقتصادية والعملية بعد قرارات التوطين الكلي أو الجزئي.


في البداية علينا أن نعترف أن لدينا مشكلة بطالة متزايدة، وفي المقابل لدينا رصيد غير كاف من الوظائف النوعية المستدامة وأن كل المعالجات التي تقتصر على الإحلال الوظيفي هي معالجات مؤقتة لا تلبث بعد بضع سنين إلا وقد استنفذت كل مجالها وفرصها، ولذلك سعت رؤية 2030 لتغيير النموذج الاقتصادي المعمول به وجعل الاقتصاد السعودي منتجاً بأنماط جديدة تطرح وظائف نوعية مستدامة في قطاعات تكنولوجية وصناعية وسياحية، وحتى يحين جني ثمار رؤية 2030، وقد بدأت بعض أكلها تنضج، فإن على وزارة العمل مسؤولية كبيرة في توفير معالجات الإحلال دون أن تفشل أو تؤثر على نمو الأسواق وحركتها..

ولذلك أرى أن كل عملية توطين كلي لن تحقق النجاح المأمول مثل «البقالات» على سبيل المثال ما لم نجعل من هذه الأنشطة مهيأة للسعوديين وأقصد هنا تحديد ساعات العمل وتحسين بيئته وتوطين سلاسل الإمداد والمبيعات بالأجل، وإيقاف الإغراق الرهيب في مدننا، وكل ذلك يجعل العملية مستحيلة أو غير مربحة إلا للوافد الذي يعمل 20 ساعة في اليوم، وهو ما لم نشاهده في الغرب ولا في الشرق فهناك نظام محدد لساعات العمل والإجازات..

المواطن ليس مغترباً في بلده ولديه مسؤوليات اجتماعية وأسرية ومن حقه وأسرته أن يتمتع بكل مباهج الحياة، ولكن والحال كذلك فإن المطلوب منه أن ينافس شخصاً آخر قدم من ظروف صعبة وليس لديه ما يخسره اجتماعياً ولديه الاستعداد للعمل لساعات طويلة لأجل تحقيق المال الذي يحتاجه عندما يعود إلى بلده الأم ويمارس حياته الطبيعية مثلنا.

وقبل أن اختم المقال سأروي قصة قصيرة تحدث معي ومع غيري أيضاً بحكم أنه في فترة كانت طبيعة عملي تتطلب أسبوعياً الانتقال من جدة إلى العاصمة الحبيبة الرياض ليومين أو ثلاثة، وبما أن عائلتي ليست معي في الرياض وعلاقاتي مرتبطة بمجال العمل فإنني أقضي أيام الرياض في العمل لحوالى 17 ساعة تنقص أو تزيد لدرجة أن من يعمل معي من سكان الرياض يتضجرون لأنني آخذ من رصيد ساعاتهم الاجتماعية والأسرية على عكس ما أكون عندما يكون عملي، حيث أسكن وأعيش لأنني وقتها أحرص الناس على إنهاء ساعات العمل والعودة لحياتي الطبيعية والاجتماعية.. ولذلك أقول لكل الوزارات المسؤولة عن توطين البقالات وغيرها: نعم نحن مع التوطين الكلي والنوعي أيضاً ولكن بشروط وحياة وحقوق السعوديين في وطنهم وليس بشروط الإخوة الوافدين من أقصى الأرض!

* كاتب سعودي

@dr_maas1010