-A +A
عبده خال
كُتب إهداء رواية نباح في جملة قصيرة:

- إلى أوغاد العالم لعنة كبيرة.


كانت الرواية تتحدث عن رائحة الحرب، وكيف لتلك الرائحة أن تسمم الجو، وتجعل الموت أقرب من حبل الوريد، وإذ تباعد الموت فثمة موت انتزاعك من وطنك لتكون لاجئاً مكسوراً موزع المشاعر وباحثاً عن الأمان، ويعز على المرء كل شيء حتى لحاف يستر الجسد يعز وجوده.

إن استبداد رجل السياسة قاهر، ولو نقبنا في كل آلام شعوب العالم سنجدها تخرج من جحر سياسي كَمَنَ كأفعى في بياتها الشتوي حتى إذا خرجت كانت حيّة تسعى تلدغ وتحيل كل من حولها إلى قتلى أو مسممين.

والعصر الحديث ترك لنا لوحتين عظيمتين تجسدان ويلات الحروب، وتوعز للبشرية الكف عن تدمير حياة البلدان والناس، كانت لوحتا الحربين العالميتين كفيلتين بأن يقف منتجو السلاح عن تزويد الدول المستبدة أو الباحثة عن حرب وإشعال الحرائق في تلك البلدان.

إن الساسة يعبثون بحياة الناس، ولا دم ينهي عبثهم، ولا تشريد يدمي قلوبهم، تحدث كل المآسي وينكوي بها الناس الذين لا حول لهم ولا قوة.

ومنذ أن عرف العالم الحدود السياسية نشرت الحروب ملابسها القذرة على حبال الحدود، تلك الحبال التي تحولت إلى مشانق تعيق فرصة النجاة من ويلات الحروب، فظلت جروح الهاربين من استبداد نظام بلدانهم ناراً، والهجرة إلى بلدان الله أكثر عذاباً.

وفي العالم العربي ملايين المهجرين الهاربين من بلدانهم إلى بلاد الله الواسعة، فيتم أسرهم في شريط حدودي تتعدد مسمياته ولكن اللاجئين لا يجدون استقراراً أو أمناً أو دخلاً فيبقون تحت رحمة معونات الدولة المستضيفة، وهي دول حدودية تتاجر بحياة هؤلاء اللاجئين.. وظهرت حرب عالمية تمنع المهاجرين من الوصول إلى البحار والمحيطات المؤدية إلى بلدان العم سام.

كل هذا العذاب منتج سياسي لعين لا يكف عن مواصلة لعنته على الأبرياء، ومع انهمار أخبار اللاجئين والحياة القاتلة لوجودهم ألفنا حتى تبلدت مشاعرنا ولم تعد الصورة أو الخبر قادرين على خلق حالة التعاطف مع أولئك المعذبين في وجودهم.

بقي الفن قوةً قادرةً على مواجهة كل أنواع البطش والفتك بالإنسان، هذا الفن يحمله بعض النازحين أو اللاجئين، فيمارسونه لوحةً أو مجسماً أو قصةً أو فيلماً سينمائياً، عندها تفيق مشاعرنا ونتذكر أننا نسينا خلف يومنا المستعجل أناساً يقبعون خلف الوقت وبين براثن البطش، فنتأسف.

ليت للفن قوة تنفيذية تشنق كل سياسي عذب شعبه وارتضى لهم الهوان مشردين بين الحدود وأسفل الخيم يحملون أمل العودة إلى أوطانهم بعدما يذهب الأوغاد عن حياتهم.