-A +A
أحمد عجب
لقد بدا لي العنوان الصادم (ما حنا بساكتين) الذي اختاره المذيع داوود الشريان اسماً لبرنامجه الجديد كرأس مفاعل إعلامي يمكنه أن يبيد أشرس قناة إخبارية قد تفكر في ضرب وطننا، لقد تخيلت منذ الوهلة الأولى التي بدأت فيها القناة عرض (البرومو) الدعائي أن هذا المقدم (الحمش) سيشكل إضافة قوية للصفوف الأمامية لخط الدفاع الإعلامي، بجانب بعض الصحف والمواقع وعدد من رموز السوشال ميديا، بل إنني توقعت عند رؤية اللوحات الإعلانية التي تحمل صوره في الشوارع والميادين العامة، وهو يضع النظارة على أرنبة أنفه ويرمق المارة بنظراته الحادة، أن المنشقين والمهاجمين في بلادنا سيولون أدبارهم ويعودون لجحورهم فزعاً منه!

لم يخطر ببالي للحظة، أن مقدم برنامج (ما حنا بساكتين) جاء ليفتح قضايا الخارجين عن أعرافنا، وليكشف خططنا ويسهل وصولهم لنقاط ضعفنا، لا أقول متعمداً حاشاه، لكنه نتاج إثارة إعلامية غير محسوبة!


ربما هذا البرنامج بما فيه من جرأة لو عرض على مذيع شاب لا يزال يشق طريقه بأول سلم النجومية ويحتاج لمادة تشهره لدفعه حسه الوطني إلى رفضه، هذا البرنامج لو تم تسويقه على أشهر القنوات الخاصة من أجل بثه على شاشاتها الذهبية لربما رفضت مخافة أن تخسر إقبال المشاهدين والمعلنين الوطنيين عليه، هذا البرنامج لو طلب من أكثر الدول المتشدقة بحرية الإعلام أن يسلط الضوء على قضاياها الداخلية بالكيفية التي ظهر بها لأدرجت اسم مقدمه على قائمة الممنوعين من الدخول إلى أراضيها.

ما أعرفه أننا نحن الكتاب حين تدق طبول الحرب ضد وطننا الغالي نتحول بالفطرة من نقاد لاذعين إلى مؤيدين لمواقف بلادنا الخارجية، ننسى همومنا وقضايانا الداخلية، أو نؤجلها بعض الوقت، ونهتم حينها بتوحيد الصف وترميم سور الأقلام الإعلامية الحصينة.

استثني من نقدي هذا حلقة (خريجات التربية مع داوود) كونها حلقة هادفة، أما بقية الحلقات الأخرى خاصة (هروب الفتيات) و(أزواج وزوجات المواطنين)، فمن خلال خبرتي بالقضايا الإعلامية أنوه بأنه قد تخللها أكثر من مخالفة لنصوص السياسة الإعلامية ونظام المطبوعات والنشر، ومنها: ألا تؤدي إلى خدمة مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية، ألا تؤدي إلى إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين، ألا تحبذ الخروج عن طاعة ولي الأمر، أن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة.

بهذه اللحظة ومع آخر سطر، نظرت لشاشة التلفزيون وإذا بإعلان الشريان الذي يطل فيه بعقاله المنكوس لأنسى كل ما كتبته، وأتخيله من جديد حاملاً لسانه المنافح مدافعاً عن الوطن بالصفوف الأمامية، لأتمتم بنفسي قائلا: (يا زينك ساكت)!