-A +A
حمود أبو طالب
قبل يوم أو يومين من إعلان ما انتهت إليه لجنة مكافحة فساد المال العام بتقريرها الذي قدمته للمقام السامي، وصدور بيان الديوان الملكي بنتائجها التي استعادت 400 مليار ريال إلى الخزينة العامة، كان ثمة خبر صحفي عن كف يد 126 موظفا من منسوبي وزارة الشؤون البلدية والقروية في مختلف الأمانات والبلديات. خبر صغير ربما لم يلفت الأنظار مع الخبر الكبير الذي تزامن معه، لكنه مهم جداً لاعتبارات كثيرة عندما نتحدث عن فساد المال العام بشكل أشمل.

خلال فترة قصيرة جداً من إسناد وزارة الشؤون البلدية للوزير الجديد ماجد القصبي تم اتخاذ هذا القرار، أي كف يد ذلك العدد من موظفي الوزارة بسبب ارتكابهم ممارسات غير نظامية بأشكال مختلفة، لكنها جميعا تندرج تحت تعريف الفساد والعبث بالمال العام، والمفارقة أنه في إحدى المرات سُئل الوزير السابق عن موضوع الفساد في وزارته فانبرى إلى نفي وجوده وتنزيه الوزارة منه، هكذا وبشكل مجاني دون تحفظ أو احترام لوعي المجتمع أو مراعاة للواقع الذي يعرفه الجميع، لكن الأمر لم يمر مرور الكرام على أصحاب القرار، فقد ذكرت هذه الصحيفة أن من أسباب إعفاء الوزير السابق ضعف أداء الوزارة وتأخرها عن مخرجات رؤية 2030 وعدم مواكبتها لتطلعات المواطنين وضعف أداء فروعها في المناطق.


هذه المفارقة، أي نفي الوزير السابق وجود الفساد في وزارته، يمكن اعتباره من أهم أسباب انتشار الفساد واستشرائه وتشجيع الفاسدين على ممارسة فسادهم بارتياح وطمأنينة وثقة، فعندما ينفي وزير أو أي مسؤول تنفيذي في هذا المستوى وجود أي فساد وبشكل قاطع فإنه يساهم أو يشارك في استمرار الفساد ويجعل محاصرته وقطع دابره مهمة صعبة، وعندما نعرف أن الوزارات وبقية أجهزة الدولة، في مقارها الرئيسية وفروعها، هي التي تدار فيها كل الميزانيات الضخمة للدولة فإنه بمثل هذا الخطاب، خطاب النفي، تكون هذه الميزانيات عرضة للدخول في مختلف أنفاق الفساد بمنتهى السهولة، وربما يمكن اعتباره فساداً تحت الحماية عندما يتم نفي وجوده بشكل مطلق. المخلصون والنزيهون موجودون بكثرة والحمد لله، لكن لا يوجد مجتمع فاضل يخلو من الفاسدين أصحاب الذمم الملوثة والضمائر الميتة، هؤلاء هم الذين يجب أن يتعقبهم كل مسؤول وينظف بيئة العمل منهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ولكي نستطيع الحفاظ على مكتسبات الوطن وحماية المال العام.

* كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com