-A +A
محمد آل سلطان
تركيبة القطاع الخاص في السعودية تركيبة غريبة ربما لا تشاهد لها مثيلاً آخر في العالم، وأقصد هنا النمط التجاري السائد في شوارعنا وأحيائنا، ولا أعتقد أنك إذا تجولت في شوارع عواصم ومدن العالم ستجد في شوارعه الداخلية والفرعية مثل هذا الإغراق والخليط العجيب من الأنشطة التجارية المكررة بقالة صالون حلاقة مغسلة كفتريا مكتب مقاولات مكتب عقار..الخ، وهكذا دواليك حتى تصل إلى باب بيتك، ولربما اكتشفت أن أحد جيرانك قد قام بفتحة حديثة في جدار بيته ليحوله لبقالة أو مغسلة أم ما شابه! في الحي الذي أسكنه عشرات المحلات الساذجة التي تتكرر في إغراق عجيب للسوق وحيثما اتجه بك الشارع الرئيسي متفرعاً صادفك هذا التشوه التجاري والبصري!

هذا النمط من الأعمال انتشر في بلادنا مع كل طفرة اقتصادية مررنا بها في أسعار النفط وفي مشاريع البناء الحكومية وكأن النموذج أصبح كالتالي ألف ألف بقالة وصالون ومغسلة وكفتريا ومقاول ومكتب عقار...الخ، ارمها في السوق والرزق على الله!


في الأعوام الماضية استقدم السعوديون الملايين ليشاركوهم تنمية وبناء بلادهم، ثم استقدمنا ملايين آخرين ليقوموا بخدمة هؤلاء العمال في مأكلهم ومشربهم وملبسهم..الخ، فإذا ما أنجزت هذه المشاريع أو اكتمل شيء منها أو توقفت لأي سبب غادر توقف أصحاب العمل الحقيقي وغادر من يعملون لديهم وبقي لدينا من يخدمهم من السعوديين والوافدين يشتكون حالة الركود وقلة الزبائن وغلاء الإيجارات وقبل ذلك الإفراط بشكل منقطع النظير في إغراق السوق بمحلات ومشاريع تفيض عن حاجة السكان مواطنين ومقيمين.

ربما تشارك الغرف التجارية عدداً من الجهات الحكومية المسؤولية في حالة الركود وتوريط الكثير بسبب أنها سمحت في الأساس لهذه الأنماط أن تتمدد وتتكاثر بطريقة غريبة ولم توجهها التوجيه الصحيح لدرجة أنه أصبح يؤثر بقاؤها أو مغادرتها على دخل كثير من الناس التي تورطت في هذا النمط الذي لن يعود في نظري للعمل بطريقته الحالية أو السابقة مرة أخرى.

ولو استغرقت الغرف التجارية جهدها في عملية التوجيه لأنشطة ومجالات أخرى وطريقة عمل جديدة ورصد لكل الفرص القادمة بعقلية مختلفة عما كان سائداً لعشرات السنين، بدلاً من حالة التشكي والبكاء التي تمر بها! والانتقال لحالة يتم فيها دراسات جدوى لأنماط تجارية جديدة أكثر ربحية سيتقبلها السوق لوفرت على نفسها ومنتسبيها خسائر قد تقضي على مستقبلهم التجاري.

منطق السوق في الأخير هو الحكم وسيصحح السوق نفسه مهما كانت محاولات المطالبين بالإنعاش لنمط تجاري تقليدي ارتبط بدورة اقتصادية انتهت وتتمدد أو تتقلص بحسب حالة الإنفاق الحكومي وتوجيهه للقطاعات الرأسمالية أو التشغيلية ومهما كان هذا الإنعاش فإنه لن يستمر ولن يغذي اقتصادا طفيليا تعوّد على الأرباح السهلة دون عناء من تفكير أو تخطيط، ولو كان الأمر بيدي لوفرت على المتشبثين بهذا النمط الكثير من الأموال وتركتهم لمصيرهم يموتون بسلام!

* كاتب سعودي

@dr_maas1010