-A +A
علي محمد الرابغي
كثيرون هم الذين يغادرون هذه الحياة الدنيا.. ولا نكاد نحس بهم.. ولكن من هو في مكانة وقدر وهامة الدكتورة سميرة جمجوم يكون لفراقهم رنة حزن وأسى عند مساحة كبيرة من أبناء جدة بل ومن أبناء المملكة.. بل ومن العالم الإسلامي.

شيعت جدة ابنتها البارة بالدموع إعرابا عن الحزن والأسى الذي تركته العالمة الجليلة.. التي أشاعت هذا الإحساس عند الكثيرين من الناس.. من خلال تصديها اتباعا لنهج سيد الكون ونبي الأمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.. برزت في إشاعة نهج السنة النبوية والدعوة بالتي هي أحسن.. حتى أنها أفنت شبابها وعمرها في حلقات الذكر والدعوة والإرشاد إلى الدين الإسلامي.. خاصة فى هذا الزمان الذي كثرت فيه الابتلاءات والإغراءات.. التي لا يقوى على مقاومتها إلا من حصن نفسه بالدين الحق.. وأنصت إلى دعوات المرشدين والداعين إلى الخير وإعلاء السنة النبوية ابتغاء ما عند الله.. وكانت الدكتورة دائمة الحضور في مناسبات الموتى وفي مناسبات الافراح.. في كل تسخر طاقاتها وما عندها من العلم والفقة في سبيل إعلاء كلمة الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.. فكانت تواجه الكثير من الأسئلة الصعبة الحرجة على سبيل المثال عندما سألتها إحدى بناتنا أسكن في إحدى العمائر ويسكن أمامنا في الشقة المقابلة جيران يدينون بديانة غير الإسلام وبالرغم من أنهم ملحدون (وهم أجانب بالطبع) وعلى الرغم من ذلك فإن الله عز وجل قد وسع عليهم في الرزق ويسر لهم حياتهم كلها ويعيشون في سعادة وهناء.. بينما أبي رجل مؤمن جدا متمسك بدينه وقد تربينا على ذلك نحن جميعا وعدد أخواتي ثمانية وقد عشنا ونعيش في ضيق دائما فما هي الأسباب.. وهل الإنسان مسير أم مخير؟


تجيب الأستاذة الدكتورة سميرة جمجوم فتقول: الحياة يا ابنتي قصيرة جدا مهما عاش الإنسان في الحياة فسيجد أنها قصيرة جدا والمؤمن الصالح حقا هو الذي يمن الله عليه بالاختبار في الدنيا ليرى النعيم الدائم في الآخرة إن شاء الله.. وعادة يا ابنتي الدنيا مقبلة بطبيعتها أكثر وأكثر على الكفار، بلا أدنى شك هناك من المسلمين من يضيق بهم الحال والعيش وبعد الصبر يبدل الله عز وجل معيشتهم من حال إلى حال فالفقر يبدل بالغنى واليسر.. وكل الناس مقبلون على أمور دنياهم بالأسباب والوسائل فالذي يتمسك بالأسباب مؤمن قال الله عز وجل (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب).

وفى إحدى ليالي بحمدون المصيف اللبناني المشهور تابعتها وقد أعجبنى ما حباها الله به من قدرة فطرية.. فهي تقصد شاباتنا اللاتي يقعن فريسة للإغراءات وخاصة في لبنان.. فكانت يرحمها الله تقدم السلام تحية الإسلام ثم لا تلبث أن تباشر معهن الدعوة والنصح بأسلوب راق مدعوما بخلق رفيع وعال.. وكثيرا ما تواجه بالصد والتكبر.. ولكنها بأخلاق المؤمن الحق ومن يجيد فقه الدعوة كانت وبالأسلوب الرباني (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) كانت كثيرا ما تنجح فى دعوتها إلى الخير وكانت حاضرة دائما في المؤتمرات وفي المناسبات الدينية وفي تجمعات العزاء.. إذ كانت تسهم بلغتها الراقية وفقهها الحنيف في امتصاص ما تعانيه الأسر المصابة.. ولذلك استطاعت أن تكون محل إعجاب وتقدير واحترام الكثيرين.

تشييع الدكتورة الفاضلة إلى مثواها الأخير:

ويكفي دلالة على ما تركت في نفوس الكثيرين من مكانة ملأتها من خلال روحها العالية وفقهها الهين اللين وسمو أخلاقها.. ولعل من شهد العزاء قد شهد عجبا.. فكثافة المعزين في صفين لعلها أبلغ للتعبير.. رحم الله الدكتورة وجزاها عن فقه الدعوة وما قدمته لأبناء وبنات وطنها ولوطنها في مجمل الأحوال.. إنا لله وإنا اليه راجعون.. وحسبي الله ونعم الوكيل.

* كاتب سعودي

alialrabghi9@gmail.com