-A +A
حسين شبكشي
يتابع عدد غير بسيط من الناس بدهشة وإعجاب كبيرين أصداء نجاحات مهرجان طنطورة، الذي يضم في برنامجه مجموعة من أهم الفنانين المحترمين من شتى أنحاء العالم، وتقدم فقرات البرامج فيه بشكل مهني واحترافي يضاهي مهرجانات عالمية عريقة أخرى. وهي خطوة تحسب كإضافة فورية ومبهرة لوزارة الثقافة. مهرجان طنطورة كان يهدف إلى تقديم أهم منتجات العالم الثقافية الفنية إلى الجمهور السعودي، ولكن التحدي الذي سيلي ذلك هو تقديم المنتج الثقافي السعودي إلى العالم. وهذا يقتضي تنسيقا دقيقا بين جهات مختلفة هي وزارة التعليم ووزارة الإعلام وهيئة الترفيه. فالمدارس مطالبة بزرع روح الثقافة في المهد، وذلك بتبني أعمال عالمية للاطلاع على ثقافات الأمم والشعوب لكسر أسوار الخوف والقلق والريبة والشك من الآخر، وزرع روح التسامح والتعايش وقبول الآخر، ليتحول كل ذلك إلى أسلوب حياة يزرع في الصغر فيقدم في الإعلام عبر مواد درامية تخاطب رسائل التعايش في الداخل بين أبناء الوطن نفسهم، فتقدم قيم مكافحة العنصرية والتمييز والمفاضلة بكل أشكاله المذهبية والقبلية والمناطقية، فالعنصرية متى ما تركت بلا رادع توعوي ضدها نمت وتغرست واستشرت حتى تحول إلى سرطان ينهش ويفتك بالجسم الوطني، وكذلك مواجهة تحديات التشدد الفكري والتطرف والفساد والحوار وقبول الآخر، كل ذلك سيولد فكرا ثقافيا سعوديا مستقبليا قادرا على صناعة تغيير حقيقي، وقتها كل ذلك الجهد سيولد إبداعا خلاقا استثنائيا قادرا على صناعة الفارق المؤثر، وعندها سيكون من الممكن تقديم «المنتجات» الثقافية ككتب ومسرحيات وأفلام وعروض موسيقية وأوبريتات غنائية فيها رسالة تثقيفية وترفيهية في آن واحد. حاليا ما يحصل هو حراك مهم معني بقبول أرقى ما لدى الأمم من عروض وثقافة وفنون، تشتمل على المتاحف والمسرحيات والاستعراضات والمؤلفات المكتوبة، وهذا حتما في غاية الأهمية. ولكن الكل في العالم ينتظر بلهفة وشوق ما الذي لدى السعوديين ليقدموه من فنون وثقافة بعد الخطوات الثقافية الكبرى الأخيرة، فحجم الحراك الحاصل «لاستقبال» ثقافات العالم من الطبيعي أن يرفع سقف الطموحات استعدادا لما لدى السعوديين أن يقدموه. عدم العمل في جزر منفصلة بين الجهات المذكورة مسألة حيوية مطلوبة حتى يكون الجهد متكاملا. الثقافة واجهة حضارية للشعوب. هولندا تعرف بأنها بلد الفنان التشكيلي فان جوخ، النمسا بلد الموسيقار موتزارت، وألمانيا بلد الموسيقار بتهوفن، وفرنسا بلد متحف اللوفر، وإيطاليا بلد مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي، وفي مصر يفخرون بعبدالوهاب، وسيد درويش، وأم كلثوم، وفي لبنان يرفعون رأسهم بفيروز، وجبران خليل جبران. الثقافة عنوان للشعوب فلنهتم بها بعمق داخليا كما خارجيا.

* كاتب سعودي