-A +A
عبده خال
مع اختتام أعمال المؤتمر الإسلامي الذي أقيم في مكة المكرمة، وانعقد تحت عنوان مخاطر التصنيف والإقصاء من أجل تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة.. لم تكن القمة قادرة على اجتثاث أزمة الفكر الإسلامي المصاحب لكل القمم الباحثة عن مسلك ينجي الأمة من التقاعس والتخلف عن بقية الأمم إنتاجيا ومعرفيا، فالمعوقات هي المعوقات، وفي كل تجمّع تظن أن المجتمعين وضعوا أصابعهم على موقع الداء، فأول المهام معرفة الخلل الرئيس في إبقاء الأمة الإسلامية في الدرجات الدنيا من السلم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتقني، لم تعتن كل القمم السابقة للحديث عن الأزمة الحضارية، أو كيفية بناء الوعي المنهجي والتخلص من آثار التشوهات التاريخية التي أغلقت على الفكر الأبواب، وجعلته غير قادر على الإنتاج، فظل طوال عقود من الأزمان عالة على الآخرين وارتضى بالتبعية من غير أن التخلص من الخلل الواضح لمن يريد ارتقاء سلم الحضارة وذلك من خلال إنتاج المعرفة أولا.

بقي العالم الإسلامي يشتكي من المتاعب التي اعترت العلاقات البينية لاختلاف المناهج وتطبيقها على أرض الواقع، فليس هناك وحدة واحدة تسير في منظومة معرفية قادرة على التخلص من العوائق التي حجمت الفكر الإسلامي وجعلته في حالة متأرجحة يجذبها الماضي أكثر من المستقبل، فمصادر الاستلهام في القضايا الجوهرية هي أحد المسببات الرئيسة التي وقفت كحاجز في انطلاق العقل الإسلامي، فكلما تخلص من معوق نهضت معوقات تجذب العقل الإسلامي للخلف معطلة كل قدرات الإنتاج والخلق.


وقد يكون أهم المعوقات للعقل الإسلامي أن جعلت الإسلام دينا محليا وليس عالميا فتعطلت فكرة الرؤية الكونية الشمولية، وعندما تحول الفكر من الشمولية في الرؤية إلى خندق من التعريفات الضيقة التي أودت به إلى محاربة المستقبل واعتبار كل جديد جاء من أجل تهشيم الإسلام، فحدث نوع من العزلة عن الأفكار ومحاربة كل جديد، فبقيت الدول الإسلامية دولا مجترة وتابعة لمن يقدم لها العلف، وللأسف الشديد فإن هذه الأمة حاربت بعض المستنيرين وأدخلتهم إلى ساحة غضب الجماهير بتهمة أنهم أعداء للدين.. وهذه الخطوة لم تبدأ الآن بل عبر عقود طويلة، وكلما ظهر عقل حاملا شعلة التنوير تم القضاء عليه بتهمة بائسة تبقي الأمة في حالة حرب مع العقل ومع أبنائها المستنيرين.

والقمة الأخيرة سارت على نفس المنوال كبكائية طويلة لن تخرج العقل الإسلامي من القمم، كما أن التبعية المميتة لم تخلق أيضا حالة التقليد في أدنى مراحل الإنتاج.