-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
أتابع باهتمام ما يحدث في فرنسا من حركة احتجاجية ذات مطالب اجتماعية خالصة، ربما بدافع الفضول والمقارنة بما حدث في بعض الدول العربية منذ سنوات، وهو ما أطلق عليه البعض «الربيع العربي»، وهي تسمية مضللة، إذ يصحب الربيع تفتح الزهور وازدهار الخصوبة والنماء، وهو عكس ما حدث في هذه البلدان، التي ما زالت تدفع ثمن هذا الربيع وضريبته.

وثمة عامل آخر زاد من اهتمامي بمتابعة أحداث فرنسا، إذ ينظر العالم، وبخاصة العالم العربي، إلى باريس على أنها واحة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، غير أن حركة أصحاب «السترات الصفراء» أثبتت غير ذلك تماماً.


فكما بدأت حركات الاحتجاج في تونس ومصر واليمن وليبيا، بمطالب اجتماعية ومعيشية، فإن الحركة الفرنسية طالبت بمطالب مشابهة تماماً.

وكما تأخر رد الحكومات العربية آنذاك على مطالب المحتجين، ما رفع سقف مطالبهم، حتى وصلت إلى المطالبة برحيل الحكام، وهكذا الأمر في فرنسا؛ إذ تأخر رد الفعل الحكومي على مطالب أصحاب «السترات الصفراء»، ووصل الأمر إلى المطالبة برحيل الرئيس الفرنسي، وربما كانت اللوحات التي رفعها العرب في ربيعهم تحمل نفس المضمون، بل ويكاد يكون بنفس الألفاظ، لتلك اللوحات التي رفعها الفرنسيون في خريفهم.

وثمة تشابه كبير في كيفية المواجهة الأمنية للأحداث في الربيع العربي والخريف الفرنسي، فقد رأينا استخدام الغاز المسيل للدموع يطلق بكثافة على المتظاهرين، وخراطيم المياه التي تفرق هذه التجمعات، والتعدي على المتظاهرين بالضرب، وهو نفس ما عاشته حركات الاحتجاج في دول الربيع العربي.

أما سلوكيات المتظاهرين في دول الربيع فقد شاهدناها على الفضائيات: قلب السيارات وإشعال النيران فيها، إشعال المحلات التجارية ونهب ما فيها من معروضات، واقتلاع أحجار رصف الطرق وضرب الشرطة بها، وهو عينه ما شاهدناه في شوارع باريس.

واعتقال العشرات، بل والمئات، هو سمة مشتركة بين الربيع العربي والخريف الأوروبي.

فهل ارتقى سلوك الأفراد والحكومات في دول الربيع حتى شابه سلوك الفرنسيين؟ أم انحدر سلوك الفرنسيين حتى شابه سلوك جماهير دول الربيع؟!

الغريب في الأمر، أنني لم أسمع منظمة من منظمات حقوق الإنسان في العالم الغربي تعترض على ما حدث في فرنسا من اعتداءات الشرطة وتوقيفها للمئات، بينما سارعت لإدانة واستنكار ما فعلته الأنظمة العربية مع المتظاهرين إبان ما يسمى بالربيع العربي.

مقولة صادقة قالها زعيم أوروبي من قبل: عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان، وهذا مما لا شك فيه.

تشابه كبير في المطالب والسلوك، وفي المواقف الحكومية، لكن رد الفعل العالمي الغربي متباين ومختلف تماماً، فبينما تدان حكومات الربيع العربي، خرست الألسنة تجاه الخريف الأوروبي.

والخلاصة التي توصلت إليها من متابعتي لهذه الأحداث، أن فرنسا، ليست كما يزعمون واحة الحرية والديمقراطية، وأن للحرية والديمقراطية وجهاً قبيحاً، رأيناه جلياً في أحداث باريس.

فاللهم سلم بلادنا من كل سوء.