-A +A
رامي الخليفة العلي
امتلكت قمة العشرين، التي عقدت خلال الأسبوع الماضي، أهمية خاصة باعتبارها تأتي في ظل خلافات متعددة تصيب العلاقات الدولية، وتغير عميق في نمط العلاقات الاقتصادية مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وشعاره العتيد (أمريكا أولا). الاقتصاد العالمي ينتقل مع السياسات الحمائية التي فرضها ترمب من العولمة والاقتصاد الحر إلى اقتصادات تغلّب المصلحة الوطنية وترى أنها لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة الاقتصاد العالمي. ذلك الاتفاق الذي ساد بين الاقتصادات الكبرى منذ نهاية الحرب الباردة بات يتراجع إلى حد بعيد، ووصلت العولمة إلى مأزق كبير ليس فقط في العلاقة بين الدول ولكن حتى في معطيات السياسة الداخلية وخصوصا في الغرب، ولعل التعبير الأبرز هو تقدم أحزاب اليمين الشعبوي المعادية للعولمة والمؤسسات التقليدية الحاكمة. هذا الواقع بات مدركا من قادة العالم الكبار على المستوى الاقتصادي، لذلك شهدنا محاولة للتخفيف من غلواء الخلافات، فعلى هامش اجتماع قمة العشرين جرى اتفاق بين الولايات المتحدة والصين على تخفيف التوتر من الناحية الاقتصادية وإلغاء بعض التعرفات الجمركية التي فرضت من الجانب الأمريكي خلال الفترة الماضية، كما شهدنا توافقا على التمسك باتفاق باريس للمناخ بين الدول المشاركة في القمة عدا الولايات المتحدة. إذاً هناك تقدم في بعض الملفات ولكنه محدود ولا يغير في النهج العام الذي تسير فيه العلاقات الدولية.

في السياق نفسه، كانت مشاركة المملكة العربية السعودية ممثلة في الأمير محمد بن سلمان حدثا بارزا في القمة، بالنظر إلى ما بذل خلال الأسابيع الماضية من جهد إعلامي وسياسي واستخباراتي من أجل إفشال هذه الزيارة، ولكن المراقب والمتابع لمجريات القمة يلحظ بشكل واضح نجاح المملكة ونجاح الأمير في التعبير عن مصالح بلاده والدور الذي تتمتع به المملكة. فقد اتفق قادة مجموعة العشرين أن يكون اجتماع القمة 2020 في الرياض وأن تكون المملكة ضمن الترويكا التي تناقش القضايا التي سوف تناقش في الاجتماع القادم في اليابان. كان يمكن أن يكون هذا الاتفاق وفي سياقات أخرى خبرا عاديا ولكنه في السياق الحالي يمثل الثقة التي يوليها قادة دول مجموعة العشرين للمملكة ودورها والأهمية الاستثنائية من الناحية الاقتصادية والسياسية التي تتمتع بها المملكة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط. من جهة أخرى، حرص القادة المشاركون على اللقاء بالأمير محمد بن سلمان، حيث كان جدول لقاءاته مزدحما للغاية ولم يتخلف معظم قادة المجموعة عن لقاء الأمير وفي ذلك إشارات دبلوماسية واضحة الدلالة. بالرغم من المحاولات المستميتة لوسائل إعلام معادية للمملكة ومعادية للأمير محمد بن سلمان بشكل خاص تبيان الأمير على عكس ذلك، ولكن الصورة أبلغ من أي دلالة. وفي حال ابتعدنا عن هذه البروبوغندا الرخيصة فإن هذه اللقاءات مهمة للغاية بالنسبة للمملكة؛ لأنها توسع مروحة علاقات المملكة على الصعيد الدولي في وقت تعمل المملكة على قدم وساق في مشروعها (المملكة 2030)، والكثير من دول العالم تنظر إلى هذا المشروع في شقه الاقتصادي باعتباره فرصا استثمارية كبيرة ومهمة على الصعيد الدولي.


إنه قدر الجغرافيا وإرث التاريخ والتأثير الحضاري والديني الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية، وهذا ما لم تستوعبه الأطراف الذي حاولت جاهدة أن تضرب مكانة المملكة على المستوى الدولي. عندما يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن أجهزته الاستخباراتية كانت في خدمة وسائل الإعلام التي شنت الحرب الإعلامية على المملكة، وعندما تقوم تنظيمات إيديولوجية دينية بتبني تلك الحرب القذرة، وعندما تسعى تلك الحرب إلى الابتزاز السياسي، تصبح مشاركة المملكة في القمة اختبارا حاسما للقوة. وقد أثبتت المملكة أن كل تلك المحاولات البائسة لم تحرك من مكانة المملكة قيد أنملة. بل بالعكس فإن المملكة لقيت حضنا دافئا في الدول العربية الشقيقة فكانت جولة الأمير محمد بن سلمان ناجحة بكل المقاييس ولم تنجح غربان الفتنة بأن تؤثر على تلك الجولة، بل استقبل الأمير بمنتهى الحفاوة من أشقائه العرب وفي كثير من الأحيان تم تجاوز الجوانب البروتوكولية لتبيان عمق العلاقات. من الإمارات إلى الجزائر، مرورا بالبحرين ومصر وتونس وموريتانيا، كانت تلك الغربان تحاول أن تعلي صوتها بالنعيق لعلها تنجح في التشويش ولكن خاب فألها.

حجم التعبئة كان كبيرا ووصل الأمر أن يجند الرئيس التركي كل إمكانيات بلاده من أجل محاولة التأثير على الواقع السياسي في المملكة وكذا دورها في المنطقة. وصل الأمر أن يقوم أردوغان ومساعدوه أنفسهم بهذه الحرب الإعلامية، وجند زياراته المتعددة لمحاولة ابتزاز المملكة. ولكن ما حدث في قمة العشرين أثبت أن مكانة المملكة أكبر بكثير من إمكانية أن يستطيع أردوغان أو غيره أن يؤثر فيها. مع انتهاء جولة الأمير محمد بن سلمان العربية ومشاركته في قمة العشرين، فإن المملكة ما قبل هذه الجولة ليس كما بعدها، فهي اليوم شامخة وعزيزة كما كانت دائما. نعلم أن الحرب لم تنته وأن محاولات الإساءة لم تتوقف، ولكن في هذه الجولة عاد من يريدون النيل من المملكة يجرون ذيول الخيبة لا يألون على شيء، كما كان مصير المحاولات السابقة وكذلك ستكون اللاحقة إن شاء الله.

* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط