-A +A
نجيب يماني
لا يمكننا بأي حال من الأحوال غضّ الطرف عن الظروف التي أحاطت بمشاركة المملكة العربية السعودية، في قمة مجموعة الدول العشرين هذا العام في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، والتي اختتمت أعمالها يوم أمس الأول (السبت)، فقد شكّلت تلك الظروف حالة من التوجس والترقب، على خلفية قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي رحمه الله. واستغلال العديد من وسائل الإعلام لها لتمثل ورقة ضغط سياسي زاد من مظاهر التوتر، وسمم الأجواء بطريقة لا تمت للأعراف الدبلوماسية بصلة، من واقع أن القضية قيد النظر، والتحقيق فيها جارٍ بما هو متاح للمملكة العربية السعودية، وسعي قيادتها الرشيدة لفتح جسور من التواصل مع الجانب التركي، بوصفه الضلع الآخر في هذه القضية، بما يخدم هدف الوصول إلى الحقيقة، بعيدًا عن المزايدات السياسية، والمتاجرة الرخيصة بهذه القضية.

وعطفاً على هذه الأجواء فإن ترؤس ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان،، لوفد المملكة في تلك القمة، يحمل في أطوائه رسالة عميقة الدلالة لكافة دول العالم، خصوصاً أن القمة جمعت قادة العالم المؤثرين، ليكون حضور وفد المملكة بقيادة ولي العهد إشارة واضحة إلى أن المملكة تتعالى على الترهات، وتتسامى عن إرسال التهم بغير بينات، وأن حضورها في المحافل الدولية شأن تقرره قيادتها الرشيدة دون إملاءات أو ضغوطات خارجية، من أي طرف كان، مهما علا شأنًا، وكبر حجمًا، بما يؤكد احترامها الكامل لسيادة الآخرين، منتظرة في المقابل ومتوقعة معاملة مثيلة بما يراعى في العرف الدبلوماسي العالمي.


إن مظاهر النجاح الباهر الذي حققته المملكة العربية السعودية بحضور ولي العهد في هذه القمة، يتجلى بوضوح في نسف أحابيل المؤامرات لضرب نوع من العزلة على المملكة، والسعي نحو التحكم في قرارها الداخلي بتحديد من يمثل ومن يغيب، فكان الحضور الباهي على قدر التحدي، بما شهدناه واطلعنا عليه من لقاءات ودية على المستوى الجماعي والثنائي بين ولي العهد الموفق، وعدد من قادة العالم، نذكر منهم على وجه الإشارة وليس الحصر لقاءات سموه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن، والرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو، والرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، كما لن نغفل بأي حال من الأحوال تلك التحية الحارة التي استقبل بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولي العهد الأمين، بما جعل منها الحدث الأبرز في القمة.. فكل هذه الإشارات وغيرها من اللقاءت الأخرى، حملت في طياتها مشاعر الود والائتلاف، والتي ستثمر - ولا شك - عن مشاريع اقتصادية وتنموية ثنائية كبيرة، تعود بالنفع على البلدان في مقبل الأيام بإذن الله.

وإذا ما ذهبنا بهذه اللقاءات إلى بعد آخر، نجد أنها جمعت ولي العهد ببعض قيادات لبلدان تشهد توترًا في العلاقة مع دول أخرى داخل منظومة العشرين نفسها، وهو ما بدا واضحًا على مجريات القمة، بما يضع المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة أمام

رهان جديد، بحيث تصبح الجسر الواصل بين هذه القيادات وبلدانها، ونزع فتيل التوتر بينها، طالما أنها تمتلك القبول، والقدرة على فتح نوافذ التواصل بينها، دون الاستقطاب والتحيز إلى جهة دون أخرى، فهذا الموقف المنفتح على كافة الدول، يؤهل قيادة المملكة للعب دور مهم في التوفيق بين الأقطاب المتنافرة، وفتح الآفاق بينها بما يخدم الإنسانية جمعاء.. خصوصاً وأن قمة العشرين في الأرجنتين كشفت الحاجة الماسة إلى قائد أممي، يملك من العزيمة وسعة الأفق والقراءة البصيرة للمشهد ما يؤهله للقيام بهذا الدور المُلح. فالصورة التي ظهر بها القادة الكبار في العالم في هذه القمة تنذر بأزمة كبيرة، ما لم يتم تداركها بأعجل ما يمكن، ضمانًا لعالم يسوده السلام، وتحكم قاعدة الإفادة والاستفادة بصورة وثيقة ومحكومة بالأعراف الدبوماسية المحترمة بين الشعوب، وهو دور أرى أن قيادة المملكة العربية السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، جديرة به، بما تملكه من أواصر مودة قائمة على احترام سيادة الدول، مضاف إلى ذلك الثقل الاقتصادي الكبير للمملكة في المنظومة الاقتصادية العالمية، والمكانة الإقليمية والدولية للمملكة قيادة وشعبًا، وما إلى ذلك من الميزات الأخرى التي تتضافر جميعها لتجعل من هذه البلاد، قيادة وشعبًا المرتكز الأساسي، والوعد المأمول لترتيب العالم، ونزع فتيل التوتر في أي مكان، ومن أي جهة اشتعل، فقمة العشرين وضعت المملكة حيث يجب أن تكون!!.

* كاتب سعودي