-A +A
حمود أبو طالب
لفت انتباهي خبر في تويتر حظي بتعليقات ومداخلات غير قليلة عن انتخابات اتحاد الطلبة الكويتيين في أمريكا التي بدت وكأنها انتخابات سياسية أكثر من كونها طلابية، أو ربما كانت نسخة مصغرة من الانتخابات البرلمانية في الكويت التي اكتسبت منذ سنوات مسحة أيديولوجية للكثير من المرشحين والناخبين. عموما كانت نتيجة الانتخابات كما يقال سقوط «قائمة المستقبل» التي توصف بالتوجه الإخواني وفوز قائمة الوحدة الطلابية المنافسة لها.

أقول لفت انتباهي ذلك الخبر لأنه عقد يوم السبت الماضي ٢٤ نوفمبر اجتماع رؤساء الأندية الطلابية السعودية في أمريكا، ولأن لي ـ ككاتب ـ اهتماما كبيرا بشؤون وشجون طلابنا المبتعثين في كل الدول، وبالذات أمريكا بسبب وجود أكبر تجمع طلابي سعودي فيها يمارسون نشاطاتهم من خلال ٣٠٠ ناد تشرف عليها الملحقية الثقافية وفق ضوابط وتنظيمات محددة يراد منها تحقيق أكبر قدر من الفائدة وأقل قدر من السلبيات، ولكن رغم ذلك هل بالإمكان عملياً إحاطة هذا العدد الكبير بسياج فكري محدد وقولبتهم داخل إطار معين من التفاعل فكريا وسياسيا مع محيطهم المحلي والخارجي وما يحدث في العالم عموما، وهل بالإمكان تحصينهم ضد المناهج الفكرية التي تتبناها تيارات وتنظيمات متطرفة في أي اتجاه.


يبدو ذلك صعباً بل مستحيلاً في هذه المرحلة من الزمن وفي فضاء مفتوح كما هو الحال في المجتمعات الغربية التي يعيش فيها المبتعثون، ولذلك تكون محاولة الوصاية المباشرة على عقول وأفكار وتوجهات الطلاب ضرباً من المستحيل، وهنا يمكن القول إنه لا ضير من انفتاح الطلاب على كل الأفكار والتجارب والأنماط لأن ذلك من شأنه تنشيط ملكة التفكير وصقل التجربة والتأمل والفحص والفرز والتمييز بين الصالح وغير الصالح فيها، وتلك حرية شخصية لا يمكن مصادرتها أو وضع رقابة عليها، لكن المسألة تختلف عندما يتجاوز ذلك إلى محاولة الانخراط في عمل تنظيمي ونشاط حركي لتيار سياسي تحت غطاء يموه بأنه غير ذلك، خصوصا إذا كان تياراً يحمل في أجندته موقفاً مناهضاً للمبادئ والثوابت الوطنية ويعمل على خلخلتها لصالح مشروع غير وطني.

لقد كانت محاولات الاستقطاب السياسي للمبتعثين حاضرة منذ زمن بعيد لصالح التيارات والأفكار الموجودة والمتنافسة في كل مرحلة، لكن الاستقطاب أصبح مختلفاً وبالغ الخطورة منذ انفجار مشروع الربيع العربي عام ٢٠١١ والذي اتضح أنه أخطر مشروع لتقويض الدولة الوطنية العربية وتفتيت العالم العربي بأكمله بتثوير الشباب وحقنهم وتأزيمهم ضد أوطانهم بأفكار وشعارات تبدو بريئة وموضوعية في ظاهرها لكنها تحمل في بواطنها مشروعاً تدميرياً بالغ الخطورة.

وكلاء وعملاء الاستقطاب للمشروع الجديد موجودون بكثافة في معظم الدول التي توجد فيها التجمعات الشبابية العربية لاستمالة بعضهم وتجهيزهم ككوادر تعمل في الخفاء كبداية انتظاراً للحظة المواتية للظهور والعمل العلني، وهنا يمكن القول بأن النصح والتنظير والتعاميم والوصاية المباشرة على المبتعثين لن تجدي كبرنامج تحصين ووقاية وحماية لأنه تعامل مع شباب تجاوز التأثر بمثل هذا النمط التقليدي. الحوار الشفاف المستمر معهم وطرح كل شيء على طاولة النقاش العلني الصريح وسماع كل الرؤى والأفكار والهواجس دون مصادرة أو أحكام مسبقة بحقهم هو الطريقة الحضارية الناجعة لتقريب الأفكار وصهرها في بوتقة وطنية تجمعهم من أجل خدمة وطنهم وحمايته، وتجعل منهم كوادر وطنية صلبة يصعب استقطابها لصالح مشاريع ضارة.

* كاتب سعودي

habutalib@hotmail.com