-A +A
طارق فدعق
ترمز إلى الارتباك وعدم الاستقرار، ويمكن وصفها كحالة عامة للفرد، أو الكائن، أو حتى لبعض المواد. العناصر الكيمائية المشعة مثلاً تتميز بحالة ربشة بسبب عدم استقرار النواة بداخلها. مواد مثل اليورانيوم، والثوريوم، والبلوتونيوم، و«قبيلتها» المشعة كلها تحتوي على أنوية مشبعة بالجزيئات الصغيرة جداً لدرجة أنها لا تطيق حالتها، ولذا فهي تتخلص من بعض من محتوى تلك الأنوية باستمرار، وهذا جوهر مبدأ الإشعاع. وهناك طرائف في عالم الربشة في أماكن لا نتوقعها واخترت لكم المثال المذهل التالي: فضلا انقل خيالك إلى المقياس الكبير جداً وتخيل حاملة طائرات طولها يعادل طول ثلاثة ملاعب كرة قدم، وطاقمها يصل إلى حوالى خمسة آلاف شخص منهم حوالى خمس مائة ضابط. وعدد الطائرات على هذه المركبة العملاقة يفوق الثمانين من قاذفات القنابل، والمقاتلات، وطائرات الاستطلاع، وصائدات الغواصات، وطائرات النقل، وطائرات الهيلوكوبتر بأشكال وأنواع وأحجام مختلفة. وتعتبر أغلى وأهم القطع البحرية على الإطلاق لمن يملكها: الولايات المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وأستراليا. وعادة لا تبحر الحاملة بمفردها فتكون ضمن مجموعة تشمل سفناً حربية ضخمة. ويصل عدد تلك المجموعات إلى درزن قطعة شاملة الغواصات النووية. فضلا تخيل موكب حاملة الطائرات وكأنه السد المنيع غير القابل للاختراق، وقمة العضلات البحرية المفتولة. ولكن في أكتوبر عام 2006 كانت الحاملة الأمريكية «كيتي هوك» تبحر في بحر الصين الجنوبي لتأكيد هيمنتها في المنطقة حيث إن ذلك البحر مشحون بالمنازعات على المضائق، والجزر، والثروات النفطية والسمكية. وفجأة ظهرت غواصة صينية ضمن نطاق الموكب البحري الأمريكي العملاق فسببت إحدى أكبر الربشات في تاريخ الأساطيل البحرية المعاصرة. الغواصة كانت تابعة للقوات البحرية الصينية الشعبية. وكانت صينية الصنع ومزودة بمحركات ديزل ولم تكن نووية الدفع، بل ولم تعتبر من القطع البحرية المتطورة، يعني ما ترادف «هايلكس» الغواصات.. كانت عادية جدا، ترادف ذات التعشيق العادي والغمارة الواحدة. ولذا فظهورها على سطح البحر وسط نطاق المجموعة البحرية الأمريكية العملاقة المتطورة كانت مسبباً لحالة هلع. ويمكن تشبيه هذا الموقف بظهور أحد أعضاء حزب «طالبان» وسط اجتماع لهيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية في مقر البنتاجون. وهناك المزيد... فحسب ما ورد في بعض التقارير أن قائد الغواصة الصينية قدم اعتذاره «يعني يعني» أنه لم يقصد اقتحام المجموعة الأمريكية.

لا تقتصر الربشة على البشر، والجيوش، والمجموعات، والأنظمة، فأتذكر أحد «العراري» الذي كان يعاني من ربشة مزمنة في الحي الذي أسكن فيه. تراه يتنقل بين بيوت الجيران فتارة تجده في أعالي الأشجار، ثم تجده في أعماق حاويات النفايات على خلاف سلوكيات «بشكة» قطط الحي.


أمنيـة:

طبعاً الربشة تحتاج الى البيئة المناسبة، فلا بد من تهيئة الجو المشحون الذي يسمح للارتباك، وهذا ما تهدف إليه بعض الدول المعادية من خلال أجهزة الاستخبارات، والمرتزقة الإعلاميين، والعناصر الموجهة للتخريب والهدم. أتمنى أن نتذكر أن الحرب الجديدة التي تتخصص في نشر المعلومات المضللة هي من أهم الأسلحة الجديدة التي تحتاج إلى الوعي والحرص لمكافحتها. لا بد لنا من الحرص الآن أكثر من ذي قبل، والله يقينا شرورها، وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي