-A +A
علي بن محمد الرباعي
في بدايات الإعلام كان يطلق على الإعلامي (مُخبِراً) أو مخبراً صحفياً، باعتباره يخبر المتلقي بما رأى وسمع، حتى استقلّت مؤسسات الإعلام، وغدا الإعلام عِلماً وفناً ومهارة، وأصبحت مهمة الإعلامي نقل الخبر بمهنية وموثوقية عالية، وعلى يد الإعلام النزيه الموضوعي، ارتقت مهنة المتاعب إلى مستوى السلطة الرابعة.

ربما في العصر التقني اختلطت الأوراق، ودخل إلى مهنة الإعلام الراقي من ليس من أهله، وربما نجح بعض المخبرين في التسلل إلى أروقة المؤسسات الإعلامية وتقمص دور المراسلين، وحظوا بتجميل صورة، ومنح ألقاب، وتشريه بمساحات.


من خلال تجربة بسيطة مع بعض مذيعي قناة الجزيرة في قطر اكتشفتُ أن فريقاً منهم يتزيّا بزي المحلل والمذيع والمراسل إلا أنه ليس منتمياً لمهنته، بل لديه عمل آخر يستغل من خلاله وظيفة الإعلام لجمع معلومات فقط لمصلحة أطراف أخرى.

هناك مخبرون فشلوا في تحقيق مكاسب كبرى، كونهم أخفقوا في احترام مهنة الإعلام (التي تحترم من يحترمها)، وفشلوا فيما نجح فيه هدهد سليمان عليه السلام الذي قال «وجئتك من سبأ بنبأ عظيم».

أعلم أن بعض رموز الإعلام العربي كانوا يجتمعون بصفة شبه يومية بمسؤولين وقيادات كبرى في أوطانهم، وما يسمعونه من كلام وتسريبات يوظفونه في مقالاتهم داخل وطنهم لمصلحة وحدة وأمن وسلامة الوطن دون إشارة لمن سرّب.

بينما بعض المخبرين يتهافتون على لقاء مسؤول، أو حضور مناسبة، إلا أنهم لا يكتبون عن ذلك حرفاً، بل ينقلون ما سمعوا لجهات مشبوهة بحكم أن العمالة وسيلة ثراء وحماية، مع كيد وغيظ للبلد الذي يفترض أنه منتم إليه.

ليس صعباً ولا متعذراً على المخابراتية أن تجنّد وتبذل، إلا أن من يسلم نفسه لها، ويضحي بكل القيم الأخلاقية، والمبادئ الوطنية، ويتنكر لأولي الفضل من أهله وناسه وعزوته، ولا بواكي لتجار الأيديولوجيات وركاب الموجات.