-A +A
طارق فدعق
الكلمة ترمز إلى لفظ اسم إحدى أغرب المنظمات البحثية في العالم وهي معهد المشاريع الدفاعية المتقدمة Defense Advanced Research Projects Agency (DARPA) وهي الذراع الرئيس للأبحاث للجهاز الحربي الأمريكي. والجهاز الحربي هو القوات الجوية، والجيش، ومشاة البحرية، والقوات البحرية، وخفر السواحل. وهذه القوة الخماسية مقرها المبنى الخماسي الأضلاع «البنتاجون» في واشنطن العاصمة. وسبحان الله أن المباني تكاد أن تنطق بنوايا وخبايا سكانها، فعندما سكنت واشنطن لفترة كان المرور أمام ذلك المبنى الضخم يشعرك بأهميته ورهبته. ولكن هناك مبنى آخر في أحد ضواحي العاصمة الأمريكية لا يبوح لك بخباياه وما يطبخ بداخله، وهو مقر «ضربة». كنت أمر أمامه كثيراً وأشعر بأهميته لأن المباني المهمة تفتقد إلى «اللسلسة» أي التسكع أمام وحول المبنى. وكان المبنى جاداً والموظفون حوله ومنه وإليه جادين جداً ويمشون بهدف وسرعة، وكأن الثواني محسوبة عليهم. وهذه الوكالة أنشئت عام 1958 بهدف تأكيد التفوق العلمي والتقني الأمريكي. وتحديداً في نهاية عام 1957 أطلق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي «سبوتنك» ليدور حول الأرض في الفضاء الخارجي ويبث وجوده فوق الأراضي الأمريكية فكانت صفعة كبيرة لأمريكا. وكان إنشاء الوكالة هو إحدى السياسات لضمان كسب السباق التقني في الفضاء، وعلى الأرض، وفي البحر. وبدأت الوكالة باسم «أربه» ARPA Advanced Research Projects Agency في أيامها الأولى، وكانت ولا تزال تعمل بآلية غريبة جداً فهي لا تجرى أية أبحاث، ولا توظف العلماء الذين يجرون الأبحاث، ولكنها تعمل بميزانية ضخمة وصلت الآن إلى ما يفوق الثلاثة مليار دولار سنوياً، ولديها حوالى مائة وعشرين مدير مشروع كل منهم يتعاقد مع مؤسسات، وجامعات، ودور أبحاث، للوصول إلى أهدافه المحددة من الوكالة دون عوائق إدارية، وبدرجة مرونة عالية جداً. ودون أن أطيل عليكم سأستعرض بعض من إنجازات هذه الوكالة العجيبة: بعدما نالت أمريكا صفعة القمر الصناعي السوفييتي سبوتنيك عام 1957، أرادت الوكالة أن تعرف موقع وسرعة وارتفاع القمر في كل لحظة، علماً بأنه لم يظهر على الرادار آنذاك. وقام بعض العلماء باستخدام تقنية تعتمد على ظاهرة «دوبلر» في نقل الصوت باستشعار موقع القمر أثناء مروره فوق أمريكا. وقام أحدهم بقلب الآية فوجد أن بالإمكان أن لو عندك مجموعة أقمار صناعية في الفضاء فيمكن أن تستخدم نفس الظاهرة لتحديد موقعك على الأرض...والسؤال هنا هو لماذا نريد أن نعرف موقعنا على الأرض فنحن نعلم أين نقف؟ ولكن الإجابة هي نظام تحديد المواقع الكوني Global Positioning System GPS وهو من النعم العظيمة التي نستمتع بها اليوم وكل يوم بسبب تلك التقنية من علماء «ضربة». وهناك المزيد...فكانت إحدى المعضلات في وزارة الدفاع الأمريكية هي أنظمة الاتصالات في حالة حدوث مخاطر هجوم نووي على الولايات المتحدة. وكانت الأنظمة المستخدمة في فترة مطلع الستينات بطيئة جداً، وشكلت نواة نظام الاتصالات الشبكي المتطور جداً وكان اسمه اربانت ARPANET والذي تم تطويره على مدى السنين ليصبح الإنترنت. ومن الأمثلة الأخرى أن خلال حرب فيتنام طور علماء «ضربة» طائرات دون طيار لتطير في مناطق خطرة وكانت نواة التقنيات التي تستعمل اليوم في المركبات ذات التحكم من بعد في السلم والحرب حول العالم.

أمنيـــــة:


أسرار «ضربة» وقصصها كثيرة ومشوقة، ولكن أغرب ما فيها أن العديد من التقنيات العسكرية تخدم البشرية بشكل غير متوقع. أتمنى أن نكوّن ما يشبه هذه «الضربة» من خلال تضافر الجهود بين وزارة الدفاع والجامعات، والجهات البحثية المختلفة لصقل المزيد من الصناعات المستقبلية المثمرة بتوفيق الله عز وجل.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي